من العلمِ والعمل، قالوا: فتعلَّمنا القرآنَ والعلمَ والعملَ
جميعا، وقال مجاهد: عَرضْتُ المصحفَ على ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما من فاتحتِه إلى
خاتمتِه أُوقِفُهُ عندَ كلِّ آيةٍ وأسأَلُه عنها.
والمقصودُ هنا التنبيهُ على أصولِ المقالاتِ الفاسدةِ التي
أوجبتْ الضلالةَ في بابِ العلمِ والإيمانِ بما جاء به الرسولُ صلى الله عليه وسلم،
وأنَّ من جعلَ الرسولَ غيرَ عالمٍ بمعاني القرآنِ الذي أُنزِلَ عليه، ولا جبريل
جعلَه غيرَ عالمٍ بالسَّمْعِيَّات ولم يجعلِ الْقرآنَ هُدىً ولا بيانًا للناس، ثم
هؤلاء يُنكرون العَقْلِيات في هذا البابِ بالكُلِّيَّة، فلا يجعلون عند الرسولِ
وأُمَّتِه في بابِ معرفةِ اللهِ عز وجل لا عُلُوما عقليَّة ولا سَمعية، وهم قد
شاركوا المَلاَحدةَ في هذه من وجوهٍ متعددة، وهم مُخطئُون فيما نسبوا إلى الرسولِ
صلى الله عليه وسلم وإلى السَّلفِ من الجهل، كما أخطأَ في ذلك أهلُ التَّحريفِ
والتَّأويلاتِ الفاسدةِ وسائرُ أصنافِ المَلاَحدة.
ثم ذكر الشيخُ رحمه الله كثيرًا من كلامِ السَّلفِ في إثباتِ
أسماءِ اللهِ وصفاتِه كما جاءتْ مع اعتقادِ معانيها ووصفِ اللهِ بها، وتفويضِ
مَعْرفةِ كيفيَّتَها إلي اللهِ تَعَالى على قاعدة: «الاسْتِواءُ مَعلوم،
والكَيْفُ مُجْهول»، وأنهم يقولون: «أمروها كما جاءت بلا كيف»، وقال الشيخُ
رحمه الله: فقولُهُم رضي الله عنهم: «أمروها
كما جاءت»، رَدٌّ على المُعَطِّلة، وقولُهم: «بلا كيف»، رَدٌّ على
المُمَثِّلة، قال الشيخُ: ولو كان القومُ قد آمَنوا باللفظِ المجرَّدِ من غيرِ
فهْمٍ لمَعْناه على ما يَليقُ باللهِ، لما قالوا: أمروها كما جاءَت بلا كَيْف،
فإنَّ الاستواءَ حينئذٍ لا يكونُ معلومًا بل مجهولاً بمَنزلةِ حُروفِ المُعجَم،
وأيضًا فإنه لا يحتاجُ إلى نفي الكيفيةِ إذا لم يفهم عن اللفظِ معنى، وإنما يحتاجُ
إلى نفي الكيفيةِ إذا أثْبتَ الصفات.
***
الصفحة 4 / 458