في «سنته» ([1]) اقبلوا الحقَّ من كلِّ من جاء به وإن كان كافرًا، أو قال
فاجرًا، واحذروا زَيْغةَ الحكيم، قالوا: كيف نعلمُ أنَّ الكافرَ يقولُ كلمةَ الحق؟
قال: إنَّ على الحقِّ نورًا أو قال كلامًا هذا معناه.
وجِماعُ الأمرِ في ذلك أنَّ الكتابَ والسُّنةَ يحصُلُ منها كمالُ الهُدَى والنورِ لمن تدبَّرَ كتابَ الله وسُنَّةَ نبيِّه، وقصَدَ اتباعَ الحقِّ وأعرضَ عن تحريفِ الكلِمِ عن مواضعِه، والإلحادِ في أسماءِ اللهِ وآياتِه، ولا يَحسَبُ الحاسِبُ أنَّ شيئًا من ذلك يُناقِضُ بعضُه بعضًا ألبَتَّة، مثل أن يقولَ القائل: ما في الكتابِ والسُّنةِ من أنَّ اللهَ فوقَ العرشِ يُخالفُه الظاهرُ من قولِه: {وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡۚ﴾[الحديد: 4]، وقولُه صلى الله عليه وسلم «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ» ([2])، ونحو ذلك فإنَّ ذلك غلط، وذلك أنَّ اللهَ معنا حقيقةً وهو فوقَ العرشِ حقيقة، كما جمعَ اللهُ بينهما في قولِه سبحانه: {هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَاۖ وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ﴾[الحديد: 4]، فأخْبَرَ أنه فوقَ العرشِ يعلمُ كلَّ شيءٍ وهو معنا أيْنَما كنا، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حديثِ الأوعال«والله فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه» ([3])، وذلك أنَّ كلمة «مع» في اللغة إذا أطلقَتْ فليس ظاهرُها في اللغةِ إلاَّ المقارنة من غيرِ وُجُوبِ مُمَاسَّة أو مُحَاذاة عن يمينٍ أو شِمال، فإذا قُيِّدَت بمعني من المعاني دلَّتْ على المقارنةِ في ذلك المعنى، فإنه يقال: ما زلنا نسيرُ والقمر معنا.
([1])أخرجه: أبو داود رقم (4611)، والبيهقي رقم (20916).
الصفحة 4 / 458