قال الشيخُ رحمه الله: ففي هذا المشهورُ عن أبي حنيفةَ عند أصحابِه
أنه كفَّرَ الواقفَ الذي يقول: لا أعرفُ ربي في السماء أم في الأرض، فكيفَ يكونُ
الجاحدُ النافي الذي يقول: ليس في السماء، أو ليس في السماءِ ولا في الأرض؟
واحتجَّ على كفرِه بقولِه: {ٱلرَّحۡمَٰنُ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ﴾[طه: 5]، قال:
وعرشُه فوقَ سماواتِه، وبيَّن بهذا أنَّ قولَه تعالى: {ٱلرَّحۡمَٰنُ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ﴾[طه: 5]،
يُبيِّنُ أنَّ اللهَ فوقَ السماواتِ فوقَ العرش، وأنَّ الاستواءَ على العرش دلَّ
على أنَّ اللهَ بنفسِه فوقَ العرش، ثُم إنه أَرْدَف ذلك بتكفيرِ من قال: إنه على
العرشِ استوى، ولكن توقَّفَ في كوْنِ العرشِ في السماءِ أم في الأرض! قال: لأنه
أنكرَ أنه في السماء؛ لأنَّ اللهَ في أعلى عِلِّيين، وأنه يُدْعَى من أعلى لا من
أسفل، وهذا تصريحٌ من أبي حنيفةَ بتكفيرِ من أنكرَ أنْ يكونَ اللهُ في السماء،
واحتجَّ على ذلك بأنَّ اللهَ في أعلى عليين، وأنه يُدْعى من أعلى لا من أسفل وكلٌّ
من هاتين الحُجَّتين فطريةٌ عقلية، فإنَّ القلوبَ مَفطورةٌ علي الإقرارِ بأنَّ
اللهَ في العُلُو، وعلى أنه يُدعَى من أعلى لا من أسفل، وقد جاء اللفظُ الآخرُ
صريحًا عنه بذلك، فقال: إذا أنكر أنه في السماءِ فقد كفَر.
ثم ذكر الشيخُ رحمه الله نقولاً كثيرةً عن أئمةٍ آخرين فيما
يبلغ اثنين وخمسين صفحةً ثم قال بعدها: قلت: ولْيعلم السائلُ أنَّ الغرضَ من هذا
الجوابِ ذِكرُ ألفاظِ بعضِ الأئمةِ الذين نقَلوا مذهبَ السَّلفِ في هذا الباب،
وليس كلُّ من ذكرْنا شيئا من قولِه من المتكلمين وغيرِهم يقولُ بجميعِ ما نقولُه
في هذا البابِ وغيرِه، ولكنَّ الحقَّ يقبَلُ كلَّ مَن تكلَّم به، وكان معاذُ بنُ
جبلٍ يقولُ في كلامِه المشهورِ عنه الذي رواه أبو داود