السلفِ أو تعمَّدَ الكذب،
فما يمكنُ أحد قط أنْ ينقلَ عن واحدٍ من السلفِ ما يدلُّ لا نصًا ولا ظاهرًا أنهم
يعتقدون أنَّ اللهَ ليسَ فوقَ العرش، ولا أنَّ اللهَ ليس له سمعٌ ولا بصرٌ ولا يدٌ
حقيقة.
وقد رأيتُ هذا المعنى ينتحِلُه بعضُ من يَحكيه عن السَّلفِ
ويقولون: إنَّ طريقةَ أهلِ التأويلِ هي في الحقيقةِ طريقةُ أهلِ السَّلف، بمعني
أنَّ الفَريقين اتفقوا على أنَّ هذه الآياتِ والأحاديثَ لم تدُلْ على صفاتِ اللهِ
سبحانه وتعالى ولكنَّ السَّلفَ أمسكوا عن تأويلِها والمتأخرون رأوا المصلحةَ في
تأويلِها لمَسِيسِ الحاجةِ إلى ذلك، ويقولون: الفرقُ بين الطريقتين أنَّ هؤلاءِ قد
يُعيِّنون المرادَ بالتأويلِ وأولئك لا يُعيِّنون لجوازِ أن يُرادَ غيرُه، وهذا
القولُ على الإطلاقِ كذبٌ صريحٌ على السَّلف، أمَّا في كثيرٍ من الصفاتِ فقطعًا
مثل أنَّ اللهَ تعالى فوقَ العرش، فإنَّ من تأمَّلَ كلامَ السلفِ المنقولِ عنهم
علِمَ بالاضطرارِ أنَّ القومَ كانوا مصرحين بأنَّ اللهَ فوقَ العرشِ حقيقة، وأنهم
ما اعتقدوا خِلافَ هذا قط، وكثيرٌ منهم قد صرَّح في كثيرٍ من الصِّفات بمثل ذلك.
واللهُ يعلمُ أنِّي بعدَ البحثِ التامِّ ومُطالعةِ ما أمْكَنَ من كلامِ السَّلف: ما رأيتُ كلامَ أحدٍ منهم يدُلُّ لا نصًا ولا ظاهرًا، ولا بالقرائنِ على نفي الصِّفاتِ الخَبَريةِ في نفسِ الأمر، بل الذي رأيتُه من كلامِهم يدُلُّ - إما نصًا وإما ظاهرًا - على تقريرِ جنسِ هذه الصِّفات، ولا نُقِلَ عن كلِّ واحدٍ منهم إثباتُ كلِّ صفة، بل الذي رأيتُه أنهم يُثبتون جِنسَها في الجُملةِ وما رأيتُ أحدًا منهم نفَاها وإنَّما يَنفون التَّشبيهَ ويُنكرون على المُشَبِّهةِ الذين يُشَبِّهون اللهَ بخلقِه، مع إنكارِهم على من يَنفي الصفات أيضًا، كقولِ نعيمٍ بنِ حمَّادٍ الخُزَاعِي شيخِ البخاري: من شَبَّه اللهَ بخلقِه