فقد كَفَر، ومن جَحَد ما
وَصَفَ اللهُ به نفسه فقد كَفر، وليس ما وَصَفَ اللهُ به نفسَه ولا رسولُه
تشبيهًا.
وكانوا إذا رأوا الرجلَ قد أُغرِقَ في نفي التَّشبيهِ من غيرِ إثباتِ الصِّفات، قالوا: هذا جَهْمِي مُعَطِّل، وهذا كثيرٌ جدًا في كلامِهم، فإنَّ الجَهْميةَ والمُعتَزلةَ إلى اليومِ يُسمُّونَ منْ أثبتَ شيئًا من الصفات: مُشَبِّهًا كذبًا منهم وافتراء، حتى إنَّ منهم من غَلاَ وَرَمى الأنبياءَ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِم بذلك، حتى قال ثمامةُ بنُ الأشْرسِ من رؤساءِ الجَهمية: ثلاثةٌ من الأنبياءِ مُشبِّهَة: موسى حيث قال: {إِنۡ هِيَ إِلَّا فِتۡنَتُكَ﴾[الأعراف: 155]، وعيسى حيث قال: {تَعۡلَمُ مَا فِي نَفۡسِي وَلَآ أَعۡلَمُ مَا فِي نَفۡسِكَۚ﴾[المائدة: 116]، ومحمد صلى الله عليه وسلم حيثُ قال: «يَنْزِلُ رَبُّنَا» ([1])، وحتى إنَّ جُلَّ المعتزلةِ تُدخِلُ عامةَ الأئمةِ مثل مالكٍ وأصحابِه، والثَّوْري وأصحابِه والأوزاعي وأصحابِه والشافعي وأصحابِه، وأحمدَ وأصحابِه وإسحاقَ بن رَاهَوَيْه وأبي عبيد وغيرِهم في قِسمِ المُشَبِّهة، وقد صنَّفَ أبو إسحاق بنُ عثمانَ بن دِرْباس الشَّافعي جزءًا سمَّاه «تنزيه أئمة الشريعة عن الألقابِ الشنيعة» ذكَرَ فيه كلامَ السَّلفِ وغيرِهم في معاني هذا الباب، وذَكَر أنَّ أهلَ البِدَعِ كلُّ صنفٍ منهم يُلقِّبُ أهلَ السُّنةِ بلقبٍ افتراه يزعُمُ أنه صحيحٌ على رأيِه الفاسد، كما أنَّ المشركين كانوا يُلقِّبُون النبيَّ بألقابٍ افتَرُوها، فالروافضُ تُسمِّيهم نواصب، والقَدَريةُ يُسمُّونَهم مُجبِرة، والمُرجئةُ تسمِّيهم شكاكًا، والجَهْميةُ تُسمِّيهم مُشبِّهة، وأهلُ الكلامِ يُسمُّونهم حَشَويةً ونوَابتَ وغُثَاء وغثراء إلى أمثالِ ذلك، كما كانت قريشُ تُسمِّى النبيَّ صلى الله عليه وسلم تارةً مجنونًا وتارةً شاعرًا وتارةً كاهنًا وتارةً مُفْتريًا، قالوا فهذه
([1])أخرجه: البخاري رقم (1145)، ومسلم رقم (758).
الصفحة 3 / 458