الثاني: من يُجريها
على ظاهرِها اللائقِ بجلالِ اللهِ كما يجري ظاهرُ اسمِ العليمِ والقديرِ والربِّ
والإلهِ والموجودِ والذات، ونحو ذلك، على ظاهرِها اللائقِ بجلالِ الله.
فإنَّ ظواهرَ هذه الصفاتِ في حقِّ المخلوقِ إما جوهرٌ محدَثٌ
وإما عرَضٌ قائم به، فالعلمُ والقدرةُ والكلامُ والمشيئةُ والرحمةُ والرضا والغضبُ
ونحو ذلك في حقِّ العبدِ أعراض.
والوجهُ واليدُ والعينُ في حقِّه أجسام، فإذا كان اللهُ موصوفًا عند عامَّةِ أهلِ الإثباتِ بأنَّ له علمًا وقدرة وكلامًا ومشيئةً وإنْ لم يكُنْ ذلك عرضًا يجوزُ عليه ما يجوزُ على صفاتِ المخلوقين، جازَ أن يكونَ وجهُ اللهِ ويداه صفاتٍ ليست أجسامًا يجوزُ عليها ما يجوزُ على صفاتِ المخلوقين، وهذا هو المذهبُ الذي حكاه الخطابيُّ وغيرُه عن السَّلفِ وعليه يدُلُّ كلامُ جمهورِهم وكلامُ الباقين لا يُخالِفه، وهو أمرٌ واضح، فإنَّ الصفاتِ كالذات، فكما أنَّ ذاتَ اللهِ ثابتةٌ حقيقةً من غيرِ أن تكونَ من جنسِ المخلوقات، فصفاتُه ثابتةٌ حقيقةً من غيرِ أن تكونَ من جنسِ صفاتِ المخلوقات، فمن قال: لا أعقِلُ علمًا ويدًا إلاَّ من جنسِ العلمِ واليدِ المَعْهودين، قيل له: كيف تعقِلُ ذاتًا من غيرِ جنسِ ذوات المخلوقين؟ ومن المعلومِ أنَّ صفاتِ كلِّ موصوفٍ تُناسِبُ ذاتَه وتُلائِم حقيقتَه، فمن لمْ يفهمْ من صفاتِ الربِّ الذي {لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ﴾[الشّورى: 11] إلاَّ ما يُناسبُ المخلوق، فقدْ ضلَّ في عقلِه ودينِه، وما أحسنَ من قولِ بعضِهم: إذا قال لك الجهميُّ: كيف اسْتَوى؟ أو كيف يَنزِلُ إلى سماءِ الدنيا؟ أو كيفَ يداه؟ ونحو ذلك، فقل له: كيفَ هو في ذاتِه؟ فإذا قال لك: لا يعلمُ ما هو إلاَّ هو وكُنْه الباري تعالى غيرُ معلومٍ