للبشر، فقُلْ له: فالعلمُ بكيفيةِ الصفةِ مُستلْزِمٌ للعلْمِ
بكيفيةِ الموصوفِ فكيفَ يُمكنُ أن تعلمَ كيفيةَ صفةٍ لموصوفٍ لم تَعلمْ كيفيتَه؟
وإنما تعلم الذات والصفات من حيثُ الجملةِ على الوجهِ الذي
ينبغي لك.
بل هذه المخلوقاتُ في الجنةِ قد ثبتَ عن ابنِ عباسٍ أنه قال:
ليس في الدنيا مما في الجنَّة إلاَّ الأسماءِ ([1])، وقد أخبرَ اللهُ تعالى أنه: {فَلَا تَعۡلَمُ نَفۡسٞ مَّآ
أُخۡفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعۡيُنٖ﴾[السجدة: 17]، وأخبرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنه: «فِي الْجَنَّةِ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ،
وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» ([2]) فإذا كانَ نعيم الجنة - وهم خلْقٌ من خلْقِ اللهِ كذلك -
فما ظنُّكَ بالخالِقِ سبحانه وتعالى ؟
وهذه الروحُ التي في بني آدمَ قد علِمَ العاقلُ اضطرابَ الناسِ فيها وإمساك النصوص عن بيانِ كيفيتِها، أفلا يُعتبُر العاقلُ بها عن الكلامِ في كيفيةِ اللهِ تعالى، مع أنَّا نقطعُ أنَّ الروحَ في البدن، وأنها تخرُجُ منه وتعرُج إلى السماء، وأنها تسلُّ منه وقتَ النزع، كما نطقَتْ بذلك النُّصوصُ الصحيحة، لا نُغالي في تجريدِها غُلُوَّ المُتَفَلْسِفةِ ومن وَافَقَهم حيثُ نفَوا عنها الصُّعودَ والنُّزولَ والاتصالَ بالبدنِ والانفصالَ عنه، وتخبَّطوا فيها حيث رأَوْا أنها من غير جنسِ البدنِ وصفاته، فعدَمُ مماثلتِها للبدنِ لا ينفي أن تكونَ هذه الصفاتُ ثابتةٌ لها بحسبِها، إلاَّ أن يُفسِّروا كلامَهم بما يُوافقُ النصوصَ فيكونون قد أخطئوا في اللفظِ وأنَّي لهم بذلك، ولا نقولُ إنها مجرَّدُ جزءٍ من أجزاءِ البدنِ كالدمِ والبخارِ
([1])أخرجه: الضياء في «المختارة» رقم (6).