×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

فاسد، أو قضيةٍ كُلِّيةٍ لا تصِحُّ إلاَّ جزئية، أو دعوى إجماعٍ لا حقيقةَ له، أو التمسُّكِ في المذهبِ والدليل بالألفاظِ المشتركة، ثم إنَّ ذلك إذا رُكِّبَ بألفاظٍ كثيرةٍ طويلةٍ غريبةٍ عمَّن لمْ يعرفْ اصطلاحَهم أوهمَتْ الغِرَّ ما يُوهِمُه السَّرابُ للعطشان، ازداد إيمانًا وعلمًا بما جاء به الكِتابِ والسُّنَّة، فإنَّ الضِّدَّ يظهرُ حُسْنَه الضِّد، وكلُّ من كانَ بالباطلِ أعلمُ كانَ للحقِّ أشدُّ تعظيمًا وبقدرِه أعْرَفُ إذا هُدِيَ إليه، فأمَّا المتوسطون من المتكلِّمين فيُخافُ عليهم ما لا يُخافُ على من لم يدخلْ فيه، وعلى من قد أنهاه نهايته فإنَّ من لمْ يدخلْ فيه فهو في عافيةٍ ومن أنهاه فقد عرَف الغايةَ فما بقِي يخاف من شيءٍ آخر، فإذا ظهرَ له الحقُّ وهو عطشانُ إليه قَبِلَه، وأما المُتوسِّطُ فيتوَهَّمُ بما يتلقَّاه من المقالاتِ المأخوذةِ تقليدًا لمعظمةِ هؤلاء، وقد قال بعضُ الناس: أكثرُ ما يُفسِد الدنيا: نصف متكلِّمٍ ونصفُ متفقِّه ونصفُ متطبِّبٍ ونصفُ نحْوِيٍّ، هذا يفسِدُ الأديان، وهذا يفسِدُ البُلدان، وهذا يفسدُ الأبدان، وهذا يُفسِد اللسان، ومن علِم أنَّ المتكلِّمين من المُتَفَلسِفةِ وغيرِهم في الغالبِ {إِنَّكُمۡ لَفِي قَوۡلٖ مُّخۡتَلِفٖ ٨ يُؤۡفَكُ عَنۡهُ مَنۡ أُفِكَ ٩[الذاريات: 8- 9]، يعلمُ الذكيُّ منهم والعاقلُ إنه ليس هو فيما يقولُه على بصيرة، وأنَّ حجَّتَه ليستْ ببيِّنةٍ وإنما هي كما قيل:

حجج تهافت كالزجاج تخالها

 

حقا وكل كاسر مكسور

ويعلمُ العليمُ البصيرُ بهم أنهم من وجهٍ مسْتَحقون ما قاله الشافعيُّ رضي الله عنه حيث قال: حكمي في أهلِ الكلامِ أن يُضرَبوا بالجريدِ والنِّعالِ ويُطافُ بهم في القبائلِ والعشائر، ويقال: هذا جزاءُ منْ أعرضَ عن الكِتابِ والسُّنَّةِ وأقبَلَ على علمِ الكلام.


الشرح