فهذه الأقسامُ الستة - يعني القسمين المذكورين والأقسام الأربعة
التي مرَّ ذكرُها سابقًا - هذه الأقسامُ لا يمُكنُ أن يخرجَ الرجلُ عن واحدٍ منها،
والصوابُ في كثيرٍ من آياتِ الصفاتِ وأحاديثِها القطعُ بالطريقةِ الثابتة،
كالآياتِ والأحاديثِ الدَّالةِ على أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى فوقَ عرشِه، ويعلمُ
طريقةَ الصوابِ في هذا وأمثالِه، بدِلاَلةِ الكتابِ والسُّنةِ والإِجماعِ على ذلك
دِلالة لا تحتملُ النقيضَ وفي بعضِها قد يغلِبُ على الظنِّ ذلك مع احتمالِ النَّقيض،
وتردُّدُ المؤمنِ في ذلك هو بحسْبِ ما يُؤتَاه من العلمِ والإيمان {وَمَن لَّمۡ يَجۡعَلِ ٱللَّهُ لَهُۥ نُورٗا فَمَا لَهُۥ مِن نُّورٍ﴾[النور: 40]، ومن اشتبه عليه ذلك أو غيرُه فليدْعُ بما رَوَاه
مسلمٌ في «صحيحه» عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: «كانَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه
وسلم إذا قام يُصلِّي من الليل قال: اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ
وَإِسْرَافِيلَ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ
عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ
مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ» ([1])، وفي روايةٍ لأبي داود: أنه كان يُكبِّرُ في صلاتِه ثم
يقولُ ذلك ([2]).
فإذا افتقرَ العبدُ إلى اللهِ دعَاه وأدْمَنَ النظرَ في كلامِ اللهِ ورسولِه وكلامِ الصحابةِ والتابعين وأئمةِ المسلمين، انفتحَ له طريقُ الهدى، ثم إن كان قد خبرَ نهاياتِ أقدامِ المُتَفَلسِفةِ والمُتكلِّمين في هذا الباب، وقد عرف أنَّ غالبَ ما يزعمُونه بُرهانًا هو شبهة، ورأى أنَّ غالِبَ ما يعتمدُونه يَؤُول إلى: دَعْوى لا حقيقةَ لها، أو شُبْهةٍ مركَّبةٍ من قياسٍ
([1])أخرجه: مسلم رقم (770).