أو النحوِ أو الفقهِ أو غير ذلك، فإنَّه لا بدَّ أن يكونَ
راغبًا في فهمِه وتصُّورِ معانيه، فكيفَ بمن قرَءوا كتابَ اللهِ تعالى المُنزَّل
الذى به هَداهم، وبه عُرِفَ الحقُّ والباطلُ والخيرُ والشرُّ والهُدى والضَّلالُ
والرَّشادُ والغَي؟ فمن المعلومِ أنَّ رغبتَهم في فهمِه وتصُّورِ معانيه أعظمُ
الرغباتِ بل إذا سمِعَ المُتعلِّمُ من العالِمِ حديثًا فإنه يرغبُ في فهمِه، فكيفَ
بمن يسمعون كلامَ اللهِ من المُبلِّغ عنه؟ بل ومن المعلومِ أنَّ رغبةَ الرسولِ صلى
الله عليه وسلم في تعريفِهم معاني القرآن أعظمُ من رغبتِه في تعريفِهم حروفَه،
فإنَّ معرفةَ الحروف بدونِ المعاني لا تُحصِّلُ المقصود، إذ اللفظُ إنما يُرَادُ
للمعنى.
الوجه الثاني: أنَّ
اللهَ سبحانه وتعالى قد حضَّهم على تدبُّرِه وتعقُّله واتباعِه في غيرِ موضع، كما
قال تعالى: {كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ مُبَٰرَكٞ لِّيَدَّبَّرُوٓاْ ءَايَٰتِهِۦ﴾[ص: 29]، وقال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ
أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَآ﴾[محمد: 24]، وقال تعالى: {أَفَلَمۡ يَدَّبَّرُواْ ٱلۡقَوۡلَ
أَمۡ جَآءَهُم مَّا لَمۡ يَأۡتِ ءَابَآءَهُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ﴾[المؤمنون: 68]، وقال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ
وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا﴾[النساء: 82]، فإذا كان قد حضَّ الكفارَ والمنافقين على
تدبُّرِه، عُلِمَ أنَّ معانيه مما يُمكنُ الكفارُ والمنافقين فهمها ومعرفتها، فكيف
لا يكونُ ذلك ممكنا للمؤمنين؟ وهذا يُبيِّنُ أن معانيه كانت معروفةً بيِّنَة لهم.
***
الصفحة 4 / 458