قال صلى الله عليه وسلم: «تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا
كَنَهَارِهَا، لاَ يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إلاَّ هَالِكٌ» ([1])، وقال: «ما
تَرَكْتُ مِنْ شَيءٍ يُقَرِّبُكُم إلى الجَنَّةِ إلاَّ وَقَدْ حَدَّثْتُكُم بِه،
ومَا مِن شَيءٍ يُبْعِدُكُم عنِ النَّارِ إلاَّ وقَدْ حَدَّثْتُكُم به» ([2])، وقال، أبو ذر: لقد تُوفِّي رسولُ الله صلى الله عليه
وسلم وما طائرٌ يُقلِّبُ جَنَاحيه في السماءِ إلاَّ ذُكِرَ لنا منه علمًا.
إذا تبيَّنَ هذا فقد وجَبَ على كلِّ مسلمٍ تصْدِيقُه فيما أخبرَ
به عن اللهِ تعالى من أسماءِ الله وصفاتِه مما جاء في القرآنِ وفى السُّنةِ
الثابتةِ عنه، كما كان عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذىن
اتبعوهم بإحسانٍ الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، فإنَّ هؤلاء هم الذين تلقَّوا عنه
القرآنَ والسُّنة، وكانوا يتلقَّون عنه ما في ذلك من العلمِ والعمل، كما قال عبدُ
الرحمن السلمي: لقد حدَّثنا الذين كانوا يُقْرِئُوننا القرآنَ كعثمانَ بنِ عفَّانَ
وعبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ وغيرِهما: أنهم كانوا إذا تعلَّموا من رسولِ اللهِ صلى
الله عليه وسلم عشرَ آياتٍ لم يُجاوِزُوها حتى يتعلَّموا ما فيها من العلْمِ
والعمل، قالوا: فتعلَّمنا القرآنَ والعلمَ والعملَ جميعًا، وقد قام عبدُ اللهِ بن
عمر - وهو من أصاغرِ الصحابة - في تعلُّمِ البقرةِ في ثماني سنواتٍ وإنما ذلك
لأجلِ الفهمِ والمعرفةِ، وهذا معلومٌ من وجودِه.
أحدها: أنَّ العادةَ المُطَّردةَ التي جبَلَ اللهُ عليها بني آدمَ تُوجِبُ اعتناءَهم بالقرآنِ المُنزَّلِ عليهم لفظًا ومعنى، بل أنْ يكونَ اعتناؤُهم بالمعنى أوْكَد، فإنه قد علِمَ أنَّه من قرأَ كتابًا في الطبِّ أو الحسابِ
([1])أخرجه: ابن ماجه رقم (44)، وأحمد رقم (17142)، والحاكم رقم (331).