×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

 وتارةً يُخبرُ بأنَّه في السماءِ كقولِه تعالى: {ءَأَمِنتُم مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخۡسِفَ بِكُمُ ٱلۡأَرۡضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ١٦ أَمۡ أَمِنتُم مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يُرۡسِلَ عَلَيۡكُمۡ حَاصِبٗاۖ فَسَتَعۡلَمُونَ كَيۡفَ نَذِيرِ ١٧[الملك: 16- 17]؛ فذَكَرَ السماءَ دونَ الأرضِ ولم يُعَلِّقْ بذلكَ ألوهيةً أو غيرَها؛ كما ذكر في قولِه تعالى: {وَهُوَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَفِي ٱلۡأَرۡضِ[الأنعام: 3]، وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ» ([1])، وقال للجارية: «أين الله؟» قالت: في السماء، قال: «أعتقها فإنها مؤمنة» ([2])([3]).

وتارةً يجعلُ بعضَ الخَلْقِ عندَه كقولِه تعالى: {وَلَهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ[الأنبياء: 19] ويخبِرُ عمَّن عندَه بالطَّاعةِ كقولِه: {إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَيُسَبِّحُونَهُۥ وَلَهُۥ يَسۡجُدُونَۤ۩[الأعراف: 206]، فلو كان مُوجِبُ العِنْدِيَّة معنى عامًا كدُخولِهم تحتَ قُدرتِه ومشيئتِه، وأمثالِ ذلك لكان كلُّ مخلوقٍ عندَه، ولم يكُنْ أحدٌ مسْتكْبرًا عن عبادتِه بل مُسَبِّحًا له ساجدًا، وقد قال تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ[غافر: 60]، وهو سبحانه وصَفَ الملائكةَ بذلك ردًا على الكفارِ المستكبرين عن عبادتِه، وأمثالُ هذا في القرآنِ لا يُحصَى إلاَّ بكلفة، وأمَّا الأحاديثُ والآثارُ عن الصَّحابةِ والتابعين فلا يُحْصيها إلاَّ اللهُ تعالى، فلا يَخلو إمَّا أن يكونَ ما اشتركتْ فيه هذه النُّصوصُ من إثباتِ عُلُوِّ اللهِ نفسِه على خلقِه هو الحقُّ أو الحقُّ نقيضُه، إذ الحقُّ لا يَخرُجُ على النَّقِيضين، وإمَّا أن يكونَ نفسُه فوقَ الخلْقِ


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (4351)، ومسلم رقم (1064).

([2])أخرجه: مسلم رقم (537).

([3])أخرجه: مسلم رقم (537).