×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

وأنه ليسَ فوقَ السماواتِ ربٌّ، ولا على العرشِ إلهٌ، وأنَّ محمدًا لم يُعرَجْ به إلى الله، وإنما عُرِجَ به إلى السماواتِ فقط لا إلى الله، وأنَّ الملائكةَ لا تعرُجُ إلى اللهِ بل إلى ملكوتِه، وأنَّ اللهَ لا ينزِلُ منه شيءٌ ولا يصعَدُ إليه شيءٌ وأمثال ذلك، وإن كانوا يُعبِّرون عن ذلكَ بعباراتٍ مبتدعة فيها إجمالٌ وإبهام، كقولِهم: ليس بمُتحيِّزٍ ولا جسْمٍ ولا جَوهرٍ ولا هو في جهةٍ ولا مكان، وأمثال هذه العبارات التي تفهمُ منها العامةُ تنزيهَ الرَّبِّ تعالى عن النَّقائص، ومقصِدُهم بها أنه ليس فوقَ السماواتِ ربٌّ، ولا على العرشِ إلهٌ يُعبَدُ ولا عُرِجَ بالرسولِ إلى الله.

والمقصودُ أنَّه إن كان الذي يُحبُّه اللهُ لنا أنْ نعتقدَه هذا النفي؛ فالصحابةُ والتابعون أفضلُ منا، فقد كانوا يعتقدون هذا النفيَ والرسولُ صلى الله عليه وسلم كان يعتقدُه، وإذا كان اللهُ ورسولُه يرضاه لنا، وهو إمَّا واجِبٌ علينا أو مُسْتحَبٌّ لنا؛ فلا بُدَّ أنْ يأمرَنا الرسولُ صلى الله عليه وسلم بما هو واجبٌ علينا، ويَندِبُنا إلى ما هو مستَحبٌّ لنا، ولا بدَّ أنْ يظهرَ عنه وعن المؤمنين ما فيه إثباتٌ لمحبوبِ اللهِ ومرضيه، وما يُقرِّبُ إليه، لا سيَّما مع قولِه عز وجل: {ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي[المائدة: 3]، لا سيَّما والجَهميَّة تجعلُ هذا أصلَ الدِّين، وهو عندَهم التوحيد، وكيفَ لا يكونُ التوحيدُ معروفًا عند الصحابةِ والتابعين؟ وإذا كان كذلك كان من المعلومِ أنَّه لا بدَّ أنْ يبيَّنَه الرسولُ صلى الله عليه وسلم وقد عُلِم بالاضطرارِ أنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم وأصحابَه لم يتكلموا بمذهبِ النُّفاة، فعلِم أنه ليس بواجبٍ ولا مستَحَبٍّ بل عُلِمَ أنَّه ليس من التوحيدِ الذي شرَعَه الله تعالى لعبادِه، وإن كان يُحِبُّ مِنَّا مذهبَ الإثباتِ وهو الذي أَمرِنا به؛ فلا بدَّ أيضًا أن يُبيِّنَ لنا ذلك.


الشرح