الصواب؛ فلا يُتصوَّرُ أن يكونَ الصحابةُ والتابعون كلُّهم
كانوا معرضين عن هذا لا يسألون عنه، ولا يَشْتاقون إلى معرفته، ولا تَطلُبُ
قلوبُهم الحق، وهم ليلاً ونهارًا يتوجهون بقلوبِهم إليه ويدعُونه تضرعًا وخيفة
ورَغَبًا ورَهَبًا، والقلوبُ مجبولةٌ مفطورةٌ على طلبِ العِلمِ بهذا ومعرفةِ
الحقِّ فيه، وهي مشتاقةٌ إليه أكثرُ من شَوقِها إلى كثيرٍ من الأمور، ومع الإرادةِ
الجازمةِ والقدرةِ يجِبُ حُصُولُ المراد، وهم قادرون على سؤالِ الرسولِ صلى الله
عليه وسلم وسؤالِ بعضِهم بعضًا، وقد سألوه عمَّا هو دونَ هذا: سألوه: هل نَرَى
ربَّنا يومَ القِيامة؟ فأجَابَهُم، وسأَلَه أبو رزين: أيضحَكُ ربُّنا؟ فقال: «نعم» فقال: «لنْ نعدمَ من ربٍّ يضْحَكُ خَيرًا» ([1])، ثم إنهم لما سألوه عن الرؤيةِ؟ قال: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا
تَرَوْنَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ» ([2])؛ فشَبَّهَ الرؤيةَ بالرويةِ لا المَرْئي بالمَرْئي،
والنُّفاةُ لا يقولون: يُرَى كما يُرَى الشمسُ والقمر، بل قولُهم الحقيقي: أنه لا
يُرَى بِحَال، ومن قال: يُرَى؛ موافقةً لأهلِ الإثباتِ ومنافقةً لهم فسَّرَ
الرُّؤيةَ بمزيدِ علمٍ فلا يكونُ كرؤيةِ الشمسِ والقمر، والمقصود هنا: أنهم لا
بدَّ أن يسألوه عن ربِّهم الذي يعبدُونه، وإذا سألوه فلا بُدَّ أن يُجيبَهم، ومن
المعلومِ بالاضطرارِ أنَّ ما تقولُه الجهميةُ النُّفاةُ لمْ يُنقَلْ عن أحدٍ من
أهلِ التبليغِ عنه، وإنما نقَلُوا عنه ما يُوافِقُ قولَ أهلِ الإثبات.
الوجه الرابع: أن يقال: إما أنْ يكونَ اللهُ يحِبُّ مِنَّا أن نعتقدَ قولَ النُّفاةِ أو نعتقدَ قولَ أهلِ الإثبات، أو لا نعتقدَ واحدًا منهما؛ فإن كان مطلوبُه منا اعتقادُ قولِ النُّفاةِ وهو أنَّه لا داخلَ العالم، ولا خارجَه،
([1])أخرجه: أبو داود رقم (4731)، وابن ماجه رقم (181)، وأحمد رقم (16187).