الردُّ على نُفاةِ العُلُو
يقول شيخُ الإسلام رحمه الله في ردِّه على نُفاةِ عُلُوِّ اللهِ على عرشِه: لو كان اللهُ يحبُّ منا أن نعتقدَ قولَ النُّفاةِ - أي نفاةِ العُلُو - وهو أنه لا داخلَ العالمِ ولا خارَجه، وأنه ليس فوقَ السماواتِ ربٌّ ولا على العرشِ إله، وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يُعرَجْ به إلى الله، وإنَّما عُرِجَ به إلى السماواتِ فقط لا إلى الله، وأنَّ الملائكةَ لا تعرُجُ إلى اللهِ بل إلى ملكوتِه، وأنَّ اللهَ لا ينزِلُ منه شيءٌ ولا يصعَدُ إليه شيء، وأمثال ذلك، وإن كانوا - أي نفاة العلو - يُعبِّرون عن ذلكَ بعباراتٍ مبتدِعة فيها إجمالٌ وإبهامٌ وإيهام، وأمثال هذه العبارات التي تَفهمُ منها العامةُ تنزيهَ الربِّ تعالى عن النَّقائص، ومقصدُهم بها أنه ليسَ فوقَ السماواتِ رب، ولا على العرشِ إلهٌ يُعبدُ ولا عُرِجَ بالرسولِ إلى الله، والمقصودُ أنه إن كان الذي يُحبُّه اللهُ لنا أن نعتقدَ هذا النفي، والرسولُ صلى الله عليه وسلم كان يعتقدُه، وإذا كان اللهُ ورسولُه يرضاه لنا، وهو إمَّا واجبٌ علينا أو مستحَبٌّ لنا فلا بدَّ أن يأمرَنا الرسولُ صلى الله عليه وسلم بما هو واجبٌ علينا، ويَندِبُنا إلى ما هو مُستحَبٌّ لنا ولا بُدَّ أن يظهرَ عنه وعن المؤمنين ما فيه إثباتٌ لمحبوبِ اللهِ ومرضيه وما يُقرِّب إليه، لا سيَّما مع قولِه عز وجل {ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي﴾[المائدة: 3]، لا سيَّما والجهميةُ تجعلُ هذا أصلَ الدِّين، وهو عندَهم التوحيد الذي لا يخالِفُه إلاَّ شَقِي، فكيفَ لا يُعلِّمُ الرسولُ صلى الله عليه وسلم أُمَّتَه التوحيد؟ وكيفَ لا يكونُ التوحيدُ معروفًا عند الصحابةِ والتابعين؟ وإذا كان كذلك كان من المعلومِ أنه لا بُدَّ أنْ يُبينَه الرسولُ صلى الله عليه وسلم وقد عُلِمَ بالاضطرارِ أنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم وأصحابَه لم يتكلموا
الصفحة 1 / 458