بمذهبِ النُّفاة، فعلم أنه
ليس بواجبٍ ولا مستحب، بل علم أنه ليس من التوحيدِ الذي شَرَعه اللهُ تعالى
لعبادِه، وإن كان اللهُ تعالى يُحِبُّ مِنَّا مذهبَ أهلِ الإثباتِ - أي إثباتِ
عُلُوِّ اللهِ على عرشِه - وهو الذى أمرَنا به فلا بدَّ أنْ يُبيَّنَ ذلك لنا،
ومعلومٌ أنَّ في الكتابِ والسُّنةِ من إثباتِ العُلُوِّ والصفات
أعظم مما فيهما من إثباتِ الوُضوءِ والتَّيمُّمِ والصيامِ وتحريم ذواتِ المحارمِ
وخبيثِ المطاعمِ ونحوِ ذلك من الشرائع، فعلى قول أهلِ الإثباتِ يكونُ الدِّينُ
كاملاً، والرسولُ صلى الله عليه وسلم مبلغًا مبينًا والتوحيد عن السَّلفِ مشهورًا
معروفًا، والكتابُ والسُّنةُ يُصدِّقُ بعضُهما بعضًا والسَّلفُ خيرُ هذه الأمةِ
وطريقتُهم أفضلُ الطُّرُق، والقرآنُ حقٌّ ليسَ فيه ضلال، ولا دَلَّ على كفرٍ
ومحال، بل هو الشفاءُ والهُدى والنُّور، وهذه كلُّها لوازم ملتزمة ونتائج مقبولة
فقولُهم مؤتلِفٌ غيرُ مختلف، ومقبولٌ غيرُ مردود.
ثم انتقل الشيخُ رحمه الله إلى الردِّ على الواقفةِ الذين يتوقَّفون في آياتِ الصِّفاتِ وأحاديثِها فلا ينفون ما دلَّتْ عليه ولا يُثبتُونه وهم الذين يُسَمون بالمُفَوِّضة، فيقول رحمه الله: وإن كان الذي يحبه الله منَّا لا نُثبِتُ ولا نَنْفي، بل نَبْقى في الجهلِ البسيطِ وفي ظُلماتٍ بعضُها فوقَ بعضٍ لا نَعرِفُ الحق من الباطل، ولا الهُدى من الضَّلال، ولا الصِّدق من الكذبِ بل نقِفُ بينَ المُثبِتةِ والنُّفاةِ موقفَ الشَّاكين الحَيَارى {مُّذَبۡذَبِينَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ لَآ إِلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ وَلَآ إِلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِۚ ِ﴾[النساء: 143]، لا مُصدِّقين ولا مُكذِّبين؛ لزِم من ذلك أن يكونَ اللهُ يُحِبُّ منَّا عدمُ العلِمِ بما جاءَ به الرسولُ صلى الله عليه وسلم وعدمُ العلمِ بما يستحقُّه سبحانه وتعالى من الصفاتِ التاماتِ وعدمُ العلِمِ بالحقِّ من الباطل، ويجِبُ منَّا الحيرةُ والشك.