والحَنِيف: المستقيمُ إلى ربِّه دونَ ما سِواه، وقوله: «مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ
مِنْهُ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا،
وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» ([1])؛ فقُربُ الشَّيءِ من الشيءِ مُسْتلزِمٌ لقُربِ الآخَرِ
منه، لكن قد يكونُ قُربُ الثاني هو اللازِمُ من قُربِ الأَوَّل، ويكونُ منه أيضًا
قربٌ بنفسِه، فالأولُ كمَنْ تقرَّبَ إلى مكةَ أو حائطِ الكعبة، فكلَّمَا قَرُبَ
منه قَرُبَ الآخَرُ منه من غيرِ أن يكونَ منه فعل، والثاني كقُرْبِ الإنسانِ إلى
مَنْ يتقرَّب هو إليه، كما تقدَّم في هذا الأثرِ الإِلهي.
فتَقرُّبُ العبدِ إلى اللهِ وتقربه له نطقَتْ به نصوصٌ متعددة،
مثل قوله: {أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ يَبۡتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلۡوَسِيلَةَ
أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ﴾[الإسراء: 57]، {فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ﴾[الواقعة: 88]، {عَيۡنٗا يَشۡرَبُ بِهَا ٱلۡمُقَرَّبُونَ﴾[المطففين: 28]، {وَلَا ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ ٱلۡمُقَرَّبُونَۚ﴾[النساء: 172]، {وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾[آل عمران: 45].
«وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُه عَلَيْهِ» ([2])الحديث، وفي الحديث: «أقْرَبُ ما يكونُ العَبْدُ من رَبِّه في جَوْفِ الَّليلِ الآخر» ([3]) فهذا قرب الرَّبِّ نفسُه إلى عبدِه وهو مثلُ نزولِه إلى سماءِ الدنيا، وفي الحديث: «إنَّ اللهَ يدنُو عشِيَّةَ عَرَفة» ([4])، الحديث، فهذا القُربُ كلُّه خاص، وليسَ في الكتابِ والسُّنةِ قرب ذاتِه من جميعِ المخلوقاتِ في كلِّ حال، فعُلِمَ بذلك بُطلاَنُ قولِ الحَلولية فإنَّهم عَمَدوا إلى الخاصِّ
([1])أخرجه: البخاري رقم (7405)، ومسلم رقم (2675).