المُقيَّدِ فجعلُوه عامًا مطلقًا، كما جعلَ إخوانَهم الاتحادية
ذلك في مثلِ قولِه: «كنت سمعه» ([1])، وفي قولِه: «فيأتيهم
في صورة غير صورته» ([2])، وأنَّ اللهَ قالَ على لسانِ نبيِّه: «سمِعَ اللهُ لمَنْ
حمِده».
وكلُّ هذه النصوص حُجَّةٌ عليهم، فإذا فصل تبيَّنَ ذلك،
فالدَّاعي والساجدُ يُوجِّه روحَه إلى الله، والروح لها عروجٌ يناسبها، فتقرَّبَ
من اللهِ تعَالى بلا ريبَ بحسبِ تَخَلُّصِها من الشوائب، فيكون اللهُ عز وجل منها
قريبًا قربًا يَلزَمُ من قربِها، ويكونُ منه قرب آخر كقربهِ عشيَّةِ عرفة، وفي
جوفِ الليل، وإلى مَنْ تقرَّبَ منه شبرًا تقرب منه ذراعًا، وفي «الزهد»لأحمدَ عن
عمرانَ القصير أنَّ موسى عليه السلام قال: يا ربِّ أينَ أبغيك؟ قال: ابغني عند
المُنْكسِرة قلوبُهم، إني أدنوا منهم كل يوم باعًا ولولا ذلك لانهدموا، فقد يُشبِه
هذا قوله: «قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي
وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ...» ([3])إلى آخره.
وظاهرُ قولِه: {فَإِنِّي قَرِيبٌۖ﴾[البقرة: 186]، يدُلُّ على أنَّ القربَ نعتُه ليس هو مجرَّد ما يلزَمُ من قُربِ الدَّاعي والساجد، ودنوه عشيَّة عرَفة هو لما يفعله الحَاج ليلتئذ من الدعاء والذكر والتوبة، وإلا فلو قُدِّرَ أنَّ أحدًا لم يقِفْ بعرفةَ لم يحصُلْ منه سبحانه ذلك الدُّنو إليهم؛ فإنه يُباهي الملائكةَ بأهلِ عرفة فإذا قدر أنه ليس هناك أحدٌ لم يحصُل؛ فدَلَّ ذلك على قُربِه منهم بسببِ تقربهم إليه كما دل عليه الحديث الآخر.
([1])أخرجه: البخاري رقم (6502).