وما بينهما في ستةِ
أيَّام، ثم استوَى على العرش، وهو الذي كلَّمَ موسى تكليمًا وتجلَّى للجبلِ فجعلَه
دكًّا ولا يُماثِلُه شيءٌ من الأشياءِ في شيءٍ من صفاتِه، فليس كعلمِه علمُ أحَد،
ولا كسمعِه وبصرِه سمعُ أحدٍ ولا بصرُه، ولا كقدرتِه قدرةُ أحد، ولا كرحمتِه رحمةُ
أحد، ولا كاستوائِه استواءُ أحد، ولا كتكليمِه تكليمُ أحَد، ولا كتجَلِّيه تجلِّي
أحَد، واللهُ سبحانه قد أخبرَنا أنَّ في الجَنَّة لحمًا ولبنًا وعسلاً وماءً
وحريرًا وذهبًا، وقد قال ابنُ عباس رضي الله عنهما: ليس في الدنيا ممَّا في
الآخرةِ إلاَّ الأسماء، فلمَّا كانتْ هذه المخلوقاتُ الغائبةُ ليستْ مثلَ هذه
المخلوقاتِ المُشاهَدةِ مع اتفاقِها في الأسماء؛ فالخَالقُ أعظمُ عُلُوًّا ومُباينةً
لخلقِه من مُباينةِ المخلوقِ للمخلوقِ وإنِ اتفقتِ الأسماء؛ وقد سَمَّى نفسَه
حيًّا عليمًا سميعًا بصيرًا، وبعضها رؤوفًا رحيمًا، وليس الحيُّ كالحَي، ولا
العليمُ كالعَليم، ولا السميعُ كالسميع، ولا البصيرُ كالبصير، ولا الرؤوفُ
كالرؤوف، ولا الرحيمُ كالرحيم، وقال في سياقِ حديثِ الجاريةِ المعروف: «أين الله» ([1]) قالت: في السماء، لكنْ ليس معنى ذلكَ أنَّ اللهَ في جوفِ
السماءِ وأنَّ السماءَ تحصُرُه وتَحويه؛ فإنَّ هذا لم يقلْه أحدٌ من سلفِ الأُمة
وأئمتها، بل هم متفقون على أنَّ اللهَ فوقَ سماواتِه على عرشِه بائنٌ من خلقِه ليس
في مخلوقاتِه شيءٌ من ذاتِه، ولا في ذاتِه شيءٌ من مخلوقاتِه.
وقد قال مالكٌ بنُ أنس: إنَّ اللهَ في السماءِ وعلمُه في كلِّ مكان، إلى أن قال: فمن اعتقدَ أنَّ اللهَ في جوفِ السماءِ محصور محاط به، وأنه مفتقرٌ إلى العرش، أو غيرِ العرشِ من المخلوقات، أو أنَّ استواءَه
([1])أخرجه: مسلم رقم (537).