على عرشِه كاستواءِ المخلوقِ على كرسيِّه؛ فهو ضالٌّ مبتدِعٌ
جاهل، ومن اعتقدَ أنَّه ليسَ فوقَ السماواتِ إلهٌ يعبد، ولا على العرشِ ربٌّ
يُصَلَّي له ويُسْجد، وأنَّ محمدًا لم يُعرَجْ به إلى ربِّه، ولا نزلَ القرآنُ من
عندِه، فهو مُعطِّلٌ فرعوني ضالٌّ مُبتدِع.
وقال - بعد كلام -: والقائلُ الذي قال: من لمْ يعتقدْ أنَّ
اللهَ في السماءِ فهو ضال، إنْ أرادَ بذلك من لا يعتقدُ أنَّ اللهَ في جوفِ
السماءِ بحيثُ تحصره وتُحيطُ به فقد أخْطَأ، وإنْ أرادَ بذلك من لم يعتقدْ ما جاءَ
في الكتابِ والسُّنة، واتفقَ عليه سلفُ الأُمَّةِ وأئمتُها من أنَّ اللهَ فوقَ
سماواتِه على عرشِه بائنٌ من خلقِه فقد أصاب، فإنه من لمْ يعتقدْ ذلك يكونُ
مكذِّبًا للرسولِ صلى الله عليه وسلم متَّبعًا لغيرِ سبيلِ المؤمنين، بل يكونُ في
الحقيقةِ مُعطِّلاً لربِّه نافيًا له، فلا يكونُ له في الحقيقةِ إلهٌ يَعبُدُه ولا
ربٌّ يسألُه ويقصِدُه، وهذا قولُ الجهميةِ ونحوِهم من أتباعِ فرعونَ المُعطِّل،
واللهُ قد فطَرَ العبادَ - عربَهم وعجمَهم - على أنَّهم إذا دَعَوا اللهَ توجَّهَت
قلوبُهم إلى العُلُوِّ ولا يقصِدُونه تحتَ أرجلِهم، ولهذا قال بعضُ العارفين: ما قال
عارفٌ قط: يا الله! إلاَّ وجَدَ في قلبِه قبلَ أن يتحركَ لسانُه معنى يطلب
العُلُو، لا يلتَفِتُ يُمنَةً ولا يسْرَة.
وذكر من بعدِ كلامٍ طويلٍ الحديث: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» ([1])، ولأهلِ الحلولِ والتعطيلِ في هذا البابِ شبهاتٌ يعارضون بها كتابَ اللهِ وسُنَّة رسولِه صلى الله عليه وسلم وما أجمعَ عليه سلفُ الأُمَّةِ وأئمتُها، وما فطرَ اللهُ عليه عبادَه، وما دلَّتْ عليه الدلائلُ العقليةُ الصحيحة، فإنَّ هذه الأدلةَ كلَّها متفقةٌ على أنَّ اللهَ فوقَ مخلوقاتِه عالٍ عليها، وقد فطَرَ اللهُ
([1])أخرجه: البخاري رقم (1358)، ومسلم رقم (2658).