الأمةَ تبليغًا عامًا لم
يَخصّ به أحدًا دونَ أحد، ولا كَتمَه عن أحد، وكان الصحابةُ والتابعون تذكُرُه
وتأثره وتُبلِّغُه وتَرويه في المجالسِ الخاصةِ والعامَّة، كـ «صحيحي البُخاري
ومُسلم»، و«موطأ مالك»، و«مسند الإمام أحمد»، و«سنن أبي داود والترمذي والنسائي»،
وأمثالِ ذلك من كُتُبِ المسلمين، لكن من فَهِم هذا الحديثَ وأمثالَه بأنه مما يجبُ
تنزيه اللهِ عنه؛ كتمثيلِه بصفاتِ المخلوقين ووصفِه بالنقصِ المُنافي لكمالِه الذي
يَستَحِقه، فقد أخطأَ في ذلك؛ وإنْ أظهرَ منعَ منه، وإن زعم أنَّ الحديثَ يدُلُّ
على ذلك ويَقتضِيه فقد أخطأ أيضًا في ذلك.
فإنَّ وصفَه سبحانه وتعالى في هذا الحديثِ بالنُّزول، هو كوصفِه بسائرِ الصفاتِ كوصفه بالاستواءِ إلى السماءِ وهي دخان، ووصفِه بأنَّه خلَقَ السماواتِ والأرضَ في ستةِ أيام، ثم استوى على العرش، ووصفه بالإتيانِ والمجيءِ في مثل قولِه تعالى: {هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن يَأۡتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٖ مِّنَ ٱلۡغَمَامِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ﴾[البقرة: 210]، وقوله: {هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ أَوۡ يَأۡتِيَ رَبُّكَ أَوۡ يَأۡتِيَ بَعۡضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَۗ يَوۡمَ يَأۡتِي بَعۡضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ﴾[الأنعام: 158]، وقوله: {وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلۡمَلَكُ صَفّٗا صَفّٗا﴾[الفجر: 22]، وكذلك قوله تعالى: {خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ﴾[الأعراف: 54]، وقوله: {وَٱلسَّمَآءَ بَنَيۡنَٰهَا بِأَيۡيْدٖ﴾[الذاريات: 47]، وقوله: {ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ ثُمَّ رَزَقَكُمۡ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡۖ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَفۡعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيۡءٖۚ﴾[الروم: 40]، وقوله: {يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ثُمَّ يَعۡرُجُ إِلَيۡهِ﴾[السجدة: 5]، وأمثال ذلك من الأفعالِ التي وصفَ اللهُ تعالى بها نفسَه التي يُسمِّيها النُّحاةُ أفعالاً متعدية، وهي غالبُ ما ذُكِرَ في القرآنِ، أو يُسمُّونها لازمةً لكونِها لا تنصُبُ المفعولَ به، بل لا تتعدَّى إليه بحرفِ الجَر