وأمَّا استعمالُ التأويلِ
بمعنى صرفِ اللفظِ عن الاحتمالِ الراجحِ إلى الاحتمالِ المرجوحِ لدليلٍ يقترنُ به أو
متأخر، أو لمطلَق الدليل، فهذا اصطلاحُ بعضِ المتأخرين، ولم يكنْ في لفظِ أحدٍ من
السلفِ ما يُرَادُ منه بالتأويلِ هذا المعنى، ثم لما شاعَ هذا بين المتأخرين صاروا
يظنون أنَّ هذا هو التأويلُ في قولِه: {وَمَا يَعۡلَمُ تَأۡوِيلَهُۥٓ
إِلَّا ٱللَّهُۗ﴾[آل عمران: 7]، ثم طائفةٌ تقول: لا يعلمُه إلاَّ الله،
وقالت طائفة: بل يعلمُه الراسخون، وكلتا الطائفتين غالِطه، فإن هذا لا حقيقةَ له،
بل هو باطلٌ واللهُ يعلمُ انتفاءَه، وأنه لم يُردْه، وهذا مثلُ تأويلاتِ القرامطةِ
الباطنيةِ والجهميةِ وغيرِهم ومن أهلِ الإلحادِ والبدع، وتلك التأويلاتُ باطلة،
واللهُ لم يُردْها بكلامِه، وما لم يُردْه لا نقولُ: إنه يعلمُ أنه مرادُه، فإن
هذا كذب على اللهِ عز وجل والراسخون في العلمِ لا يقولون على اللهِ تبارك وتعالى
الكذب، وإن كنا مع ذلك قد علمنا بطريقِ خبرِ اللهِ عز وجل عن نفسِه، بل وبطريقِ
الاعتبارِ أنَّ لله المثل الأعلى وأنَّ اللهَ يُوصَفُ بصفاتِ الكمالِ، موصوفٌ
بالحياةِ والعلمِ والقدرة، وهذه صفاتُ الكمال، والخالقُ أحقُّ بها من المخلوق،
فيمتنع أنْ يتَّصفَ المخلوقُ بصفاتِ الكمالِ دون الخالق.
ولولا أن هذه الأسماءَ والصفاتِ تدُلُّ على معنى مشترَكٍ كلِّي
يقتضي من المواطأةِ والموافقةِ والمشابهةِ ما به تُفهَمُ وتُثبَتُ هذه المعاني
لله، لم نكنْ قد عرَفنا عن اللهِ شيئًا، ولا صار في قلوبِنا إيمانٌ به ولا علمٌ
ولا محبةٌ ولا معرفة، ولا إرادةٌ لدعائِه وعبادتِه وسؤالِه ومحبتِه وتعظيمِه،
فإنَّ جميعَ هذه الأمورِ لا تكونُ إلاَّ مع العلم، ولا يمكنُ العلمُ إلاَّ
بالإثباتِ لتلك المعاني التي فيها من الموافقةِ والمواطأةِ ما به حصَل لنا ما حصَل
من العلمِ لما غاب عن شهودِنا.