من فهْمِ هذه الحقائقِ الشريفة، والقواعد الجليلة، حصَل له من
العلمِ والمعرفةِ والتحقيقِ والتوحيدِ والإيمان، وانجالَ عنه من الشُبُهِ
والضَّلالِ والحيرةِ ما يصيرُ به في هذا البابِ من أفضلِ الذين أنعم اللهُ عليهم،
غيرِ المغضوبِ عليهم ولا الضالين، ومن سادةِ أهلِ العلمِ والإيمان، وتبيَّن له
أنَّ القولَ في بعضِ صفاتِ اللهِ كالقولِ في سائرِها، وأنَّ القولَ في صفاتِه كالقولِ
في ذاتِه، وأنَّ من أثبتَ صفةً دونَ صفةٍ مما جاء به الرسولُ صلى الله عليه وسلم
مع مشاركةِ أحدُهما الأخرى فيما به نفَاها كان متناقضًا، فمن َنفى النزولَ
والاستواءَ أو الرضَى والغضبَ أو العلمَ والقدرةَ أو اسمَ العليمِ أو القديرِ أو
اسمَ الموجودِ فرارًا بزعمِه من تشبيهٍ وتركيبٍ وتجسيم، فإنه يلزمُه فيما أثبتَه
نظيرُ ما ألزمَه لغيرِه فيما نفاه هو وأثبتَ المثبت، فكلُّ ما يستدِلُّ به على نفي
النزولِ والاستواءِ والرضى والغضبِ يمكن منازعه أنْ يستدِلَّ بنظيرِه على نفي
الإرادةِ والسمعِ والبصرِ والقدرةِ والعلم.
وكل ما يستدل به على نفي القدرة والعلم والسمع والبصر، يمكن
منازعة أن يستدل بنظيره على نفي العليم والقدير والسميع والبصير، وكل ما يستدل به
على نفي هذه الأسماء، يمكن منازعه أنْ يستدلَ به على نفي الموجودِ والواجب، ومن
المعلومِ بالضرورةِ أنه لابد من موجود قديم واجب بنفسه يمتنع عليه العدم، فإن
الموجود إما ممكن ومحدث، وإمَّا واجب وقديم، والممكن المحدث لا يوجد إلاَّ بواجب
قديم، فإذا كان ما يستدل به على نفي الصفات الثابتة يستلزم نفي الموجود الواجب
القديم، ونفي ذلك يستلزمُ نفيَ الموجودِ مطلقًا، علم من عطَّلَ شيئًا من الصفاتِ
الثابتةِ بمثلِ هذا الدليلِ كان قولُه مستلزمًا تعطيلَ الموجودِ المشهود.