ومثلُ هذا الجوابِ ثبتَ عن
ربيعةَ شيخ مالك، وقد رُويَ هذا الجوابُ عن أم سلمى رضي الله عنها موقوفًا
ومرفوعًا، لكن ليس إسناده مما يعتمد عليه، وهكذا سائر الأئمة، قولهم يوافق قول
مالك في أنا لا نعلم كيفية استوائه كما لا نعلم كيفية ذاته، ولكن نعلم المعنى الذي
دل عليه الخطاب: فنعلم معنى الاستواء ولا نعلم كيفيته، وكذلك نعلمُ معنى النزول،
ولا نعلمُ كيفيتَه، ونعلمُ معنى السمعِ والبصرِ والعلم والقدرة، ولا نعلمُ كيفيةَ
ذلك، ونعلمُ معنى الرحمةِ والغضبِ والرضا والفرحِ والضحك، ولا نعلم كيفية ذلك.
إلى أن قال رحمه الله: وإن كان المعترِضُ من المُثبِتةِ
للعُلُوِّ ويقول: إنَّ اللهَ فوقَ العرش، لكن لا يُقرُّ بنزولِه بل يقولُ بنزولِ
ملَك، أو يقولُ بنزولِ أمرِه.
إلى أن قال: فإن قلت: الذي ينزلُ ملَكٌ قيل: هذا باطلٌ من
وجوه:
منها: أنَّ الملائكةَ لا تزالُ تنزلُ بالليلِ والنهار إلى الأرضِ كما قال تعالى: {يُنَزِّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ بِٱلرُّوحِ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦٓ﴾[النحل: 2]، وقال تعالى: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمۡرِ رَبِّكَۖ﴾[مريم: 64]، وفي «الصحيحين» عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ وَصَلاَةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ - وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ - كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ» ([1]).
([1])أخرجه: البخاري رقم (555)، ومسلم رقم (632).