وكذلك ثبتَ في الصحيحِ عن أبي هريرة، عن النبيِّ صلى الله عليه
وسلم أنه قال: «إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً
سَيَّاحِينَ يتَتَبَّعونَ مجالِسَ الذِّكِر فإذا مَرُّوا على قومٍ يَذْكرُون اللهَ
تَعَالى يُنادُون: هَلُمُّوا إِلى حاجَتِكُم فيحفونهم بأَجْنِحَتِهم إلى السَّمَاءِ
الدُّنيا، قال: فيَسْألَُهم رَبُّهم وهو أعْلَمُ بهم: ما يَقُولُ عِبادي؟ قال:
فيقولون: يُسبِّحُونَك ويُكّبِّرُونَك ويَحْمَدُونك ويُمَجِّدُونَك» ([1]).
الوجه الثاني: أنه قال فيه: «مَن يَسْألُني فَأُعْطِيه؟ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِب له؟ مَن
يَسْتَغْفِرني فأغفر له؟» ([2])، وهذه العبارة لا يجوز أن يقولها ملك عن الله، بل الذي
يقول الملك ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَبْدَ نَادَى
جِبْرِيلَ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ،
فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلاَنًا
فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي
الأَْرْضِ» ([3])، وذَكَر في البُغضِ مثلَ ذلك، فالملَكُ إذا نادى عن
اللهِ لا يتكلَّمُ بصيغةِ المُخاطب بل يقول: إنَّ اللهَ أمرَ بكذا وقال كذا، وهكذا
إذا أَمر السلطانُ مناديًا فإنه يقول: يا معشرَ الناس، أمرَ السلطانُ بكذا ونَهَى
عن كذا ورَسم كذا، لا يقول: أمَرْت بكذا، ونهيْتُ عن كذا، بل لو قال ذلك بُودِر
إلى عقوبتِه.
وهذا تأويلٌ من التأويلاتِ الجهميَّةِ القديمة، فإنهم تأَوَّلُوا تكليمَ اللهِ لموسى عليه السلام بأنه أمرَ ملكًا فكلَّمه، فقال لهم أهلُ السُّنة: لو كلَّمه ملكٌ لم يقل: {إِنَّنِيٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدۡنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِيٓ﴾[طه: 14]،
([1])أخرجه: البخاري رقم (6408)، مسلم رقم (2689).