بل كان يقولُ المسيح عليه
السلام: {مَا قُلۡتُ لَهُمۡ إِلَّا مَآ أَمَرۡتَنِي بِهِۦٓ أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ
رَبِّي وَرَبَّكُمۡۚ﴾[المائدة: 117]، فالملائكةُ رسلُ اللهِ إلى الأنبياءِ
تقولُ كما كان جبريلُ عليه السلام يقول لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمۡرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَيۡنَ أَيۡدِينَا وَمَا
خَلۡفَنَا وَمَا بَيۡنَ ذَٰلِكَۚ﴾[مريم: 64] ويقول: إن اللهَ يأمرُك
بكذا، ويقول: كذا، ولا يمكنُ أن يقولَ ملَكٌ من الملائكة: {إِنَّنِيٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدۡنِي﴾[طه: 14]، ولا يقول: «مَنْ
يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ
يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟» ([1])، ولا يقول: «لاَ
أَسْأَلُ عَنْ عِبَادِي غَيْرِي» ([2])، كما رواه النسائي وابن ماجه وسندهم صحيح ([3]).
ثم قال الشيخ: وإنْ تأوَّل ذلك بنزولِ رحمتِه أو غيرِ ذلك، قيل: الرحمةُ التي تُثبتُها إمَّا أن تكونَ عينًا قائمةً بنفسِها، وإمَّا أن تكونَ صفةً قائمةً في غيرها، فإن كانت عينًا وقد نزلتْ إلى السماءِ الدنيا لمْ يمكنْ أنْ تقول: منْ يدعُوني فَأستجِبْ له؟ كما لا يمكنُ الملَكُ أن يقولَ ذلك، وإن كانتْ صفةً من الصفاتِ فهي لا تقومُ بنفسِها بل لابدَّ لها من مَحل، ثم لا يمكنُ الصفةُ أن تقولَ هذا الكلام ولا محلها، ثم إذا نزلتِ الرحمةُ إلى السماءِ الدنيا، ولم تنزلْ إلينا فأي منفعةٍ لنا في ذلك؟ وإن قال: بل الرحمةُ ما ينزلُ على قلوبِ قوامِ الليلِ في تلك الساعةِ من حلاوةِ المُنَاجاةِ والعبادةِ، وطِيبِ الدعاء والمعرفة، وما يحصُلُ في القلبِ من مَزيدِ المعرفةِ باللهِ والإِيمانِ به، وذكرِه وتجليه لقلوبِ أوليائِه، فإنَّ هذا أمرٌ معروفٌ يعرفُه قُوَّامُ الليل.
([1])البخاري رقم (1094).