×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

 قولان، كما قد يختلفون أحيانًا في بعضِ الآيات، وإن اختلفتْ عباراتُهم فمقصودُهم واحد، وهو إثباتُ عُلُوِّ اللهِ على العرش.

قال الشيخُ رحمه الله: فإن قيل: إذا كان اللهُ لا يزالُ عاليًا على المخلوقاتِ كما تقدَّم؛ فكيف يقال: ثم ارتفع إلى السماءِ وهي دخان؟ أو يقال: ثم عَلا على العَرش؟

قيل: هذا كما أخبرَ أنه ينزلُ إلى السماءِ الدنيا ثم يصعَد، وروى ([1]) ثم يعرُج، وهو سبحانه لم يزلْ فوقَ العرش، فإن صعودَه من جنسِ نزولِه، وإذا كان في نزولِه لم يصِرْ شيء من المخلوقاتِ فوقه فهو سبحانه يصعَد، وإن لم يكنْ منها شيءٌ فوقَه.

ثم قال رحمه الله: فإن قيل: فإذا كان إنما استوى على العرشِ بعد أنْ خلقَ السماواتِ والأرض في ستةِ أيام، فقبل ذلك لم يكنْ على العرش، قيل: الاستواءُ عُلوٌّ خاصٌّ فكلُّ مستوٍ على شيءٍ عالٍ عليه، وليس كلُّ عالٍ على شيءٍ مستويًا عليه، ولهذا لا يقالُ لكلِّ ما كان عاليًا على غيره: إنه مستوٍ عليه واستوى عليه، ولكن كلُّ ما قيل فيه: إنَّه استوى على غيرِه، فإنه عالٍ عليه، والذي أخبرَ اللهُ أنه كان بعد خلْقِ السماواتِ والأرضِ الاستواء، لا مُطلَق العُلُو.

إلى أن قال: فالأصلُ أن عُلُوَّه على المخلوقاتِ وصف لازم له، كما أن عظمته وكبرياءه وقدرته كذلك، وأما الاستواء فهو فعل يفعله سبحانه وتعالى بمشيئته وقدرته، ولهذا قال: {ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ[البقرة: 29]، ولهذا كان الاستواء من الصفات السمعية المعلومة بالخبر، وأما علوه على المخلوقات فهو عند أئمة أهل الإثبات من الصفات العقلية المعلومة بالعقل مع السمع.


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (555)، ومسلم رقم (632).