ثم تكلَّم الشيخُ رحمه الله عن تفسيرِ من فسَّر قولَه تعالى: {ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٞ﴾[فصلت: 11] بعمدٍ إلى خلقها بأنه من أضعفِ الوجوه، فإنه
أخبَرَ أنَّ العرشَ كان على الماءِ قبلَ خلقِ السماواتِ والأرض، وكذلك ثبتَ في «صحيح
البخاري» عن عمرانَ بنِ حُصَين عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كَانَ اللهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ،
وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، ثُمَّ
خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَْرْضَ» ([1])([2]) فإذا كان العرشُ مَخْلوقًا قبلَ خلْقِ السَّماواتِ
والأرض؛ فكيفَ يكونُ استواؤُه عليه عمدَه إلى خلقه له؟ لو كان هذا يعرفُ في اللغة:
أنَّ استوى على كذا بمعنى أنه عَمَد إلى فعلِه، وهذا لا يُعرَفُ قط في اللغةِ لا
حقيقةً ولا مجازًا لا في نظْمٍ ولا في نثْر، ومن قال: استوى بمعنى عَمَد، ذكرَه في
قولِه: {ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٞ﴾[فصلت: 11]؛ لأنه عُدِّي بحرفِ الغاية، كما يقال: عمدْتُ
إلى كذا، وقصدتُ إلى كذا، ولا يُقال: عَمدتُ على كذا ولا قصدْتُ عليه، مع أنَّ ما
ذُكِر في تلك الآيةِ لا يعرفُ في اللغة أيضًا، ولا هو قولُ أحدٍ من مُفسِّري
السلف، بل المفسرون من السَّلفِ قولُهم بخلافِ ذلك.
وإنما هذا القولُ وأمثالُه ابتُدِعَ في الإسلامِ لما ظهرَ إنكارُ أفعالِ الرَّبِّ التي تقومُ به، ويفعلُها بقدرتِه ومشيئتِه واختيارِه، فحينئذٍ صار يفسِّرُ القرآنَ من يُفسِّرُه بما يُنافي ذلك، كما يُفسِّر سائر أهلِ البِدعِ القرآنَ على ما يُوافقُ أقاويلَهم، وأمَّا أنْ يُنقلَ هذا التفسير عن أحدٍ من السَّلفِ فلا، بل أقوالُ السلفِ الثابتةِ عنهم متفقةٌ في هذا الباب، لا يُعرَفُ لهم فيه
([1])أخرجه: البخاري رقم (3020).