الرَّبُّ تعالى اللاَّزِمة
والمُتعَدَّية، وهو أنَّه سُبحانَه، هل تَقومُ به الأُمورُ الاختِيَارِيَّة
المُتعلِّقَة بقُدرَتِه ومَشيئَتِه أم لا؟ فمَذهَب السَّلَف وأَئِمَّة الحَديثِ
وكَثيرٌ مِن طَوائِفِ أَهلِ الكَلامِ والفَلاسِفَة جَوازُ ذلك، وذَهَب نُفاةُ
الصِّفاتِ من الجَهمِيَّة والمُعتَزِلَة والفَلاسِفَة والكُلاَّبِيَّة مِن
مُثبِتَة الصِّفات إلى امتِناعِ قِيامِ ذلك بِهِ.
ثم بيَّن الشَّيخُ رحمه الله أنَّ دَوامَ نَوعِ الحَوادِثِ
والأَفعَالِ هو قَولُ أئِمَّة السُّنَّة والحَديثُ القَائِلِين بأن الله يتكلَّم
بمَشيئَتِه وقُدرَتِه، وأن كَلِماتِه لا نِهايَةَ لها، ويَقُولُون بأنَّه لَم
يَزَلْ فَعَّالاً كما يَقولُه البُخارِيُّ وغَيرُه، ويَقُولُون: الحَرَكَة مِن
لَوازِمِ الحَيَاةِ، فيَمتَنِع وُجودُ حَياةٍ بلا حَرَكة أَصلاً، كما يقولُه
الدَّارِمِيُّ وغَيرُه.
وقد رَوَى الثَّعلَبِي في «تَفسِيرِه» بإِسنادِهِ عَن جَعفَرِ
بنِ مُحمَّدٍ الصَّادقِ رضي الله عنه: «أنه سُئِل عن قوله تعالى: {أَفَحَسِبۡتُمۡ أَنَّمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ عَبَثٗا﴾[المؤمنون:
115]، لِمَ خَلَق الله الخَلْق؟ فقال: لأنَّ الله كان مُحسِنًا بما لَم يَزَل
فِيمَا لَم يَزَل، إلى ما لَم يَزَل، فأَرادَ الله أَن يُفِيضَ إِحسَانَه إِلَى
خَلْقِه، وكان غَنِيًّا عنهم، لم يَخلُقْهم لِجَرِّ مَنفَعَة ولا لِدَفْع
مَضَرَّة، ولَكِن خَلَقهم وأَحسَن إِلَيهم، وأَرسَل إِلَيهم الرُّسُل حتى يَفصِلوا
بين الحقِّ والبَاطِل، فمَن أَحسَنَ كَافأَهُ بالجنَّةِ، ومَن عصى كَافأَهُ
بالنَّارِ».
وقال ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمًا﴾[النساء: 96] {وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا﴾[النساء: 17]، ونحو ذلك،
قال: «كان ولَم يَزَل ولا يَزالُ».
انتَهَى المَقصُود مِن كَلامِ الشَّيخِ رحمه الله وحَاصِلُه: أنَّ مَذهَب أَهلِ السُّنَّةِ والجَماعَة إِثبَاتُ أَفعالِ الله سُبحانَه، وأنَّ الله لَم يَزَل ولا يَزالُ يَفعَلُ
الصفحة 5 / 458