لا يَجُوز عَلَيهِ،
قَالُوا: وهذا لا يُمكِن مَعرِفَتُه إلاَّ بهَذِه الطَّرِيقَة؛ فإنَّه لا سَبِيلَ
إلى مَعرِفَةِ الصَّانِع - فِيمَا زَعَمُوا - إلاَّ بمَعرِفَة مَخلُوقاتِهِ، ولا
سَبِيلَ لمَعرِفَةِ حُدوثِ المَخلُوقاتِ إلاَّ بِهَذا الطَّريقِ فيما زَعَمُوا.
ويَقولُ أَكثَرُهُم: أوَّلُ ما يَجِب على الإِنسَانِ مَعرِفَةُ
الله، ولا يُمكِن مَعرِفَتُه إلاَّ بِهَذا الطَّرِيق.
ويَقولُ كَثِيرٌ مِنهُم: إنَّ هَذِه طَرِيقَةَ إِبرَاهِيمَ
الخَليلِ عليه السلام المَذكُورَة في قَولِهِ: {لَآ أُحِبُّ ٱلۡأٓفِلِينَ﴾[الأنعام: 76]؛ قَالُوا: فإنَّ إِبرَاهِيمَ استدلَّ بالأُفُولِ
- وهو الحَرَكة والانتِقَالُ - على أنَّ المُتَحَرِّك لا يكون إلهًا، قَالُوا:
ولِهَذا يَجِب تَأوِيلُ مَا وَرَد عَن الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم مُخالِفًا مِن
وَصفِ الرَّبِّ بالإِتيَانِ والمَجيءِ والنُّزولِ وغَيرِ ذلك؛ فإنَّ كَونَه نبيًّا
لا يُعرَف إلاَّ بهذا الدَّليلِ العَقلِيِّ؛ فلو قَدَح في ذلك لَزِم القَدْحُ في
دَليلِ نُبُوَّتِهِ، فَلَم يُعرَف أنَّه رَسُولُ الله.
ولأَجلِ هَذِه الطَّريقِ أَنكَرَت الجَهمِيَّةُ والمُعتَزِلَةُ
الصِّفاتِ والرُّؤيَةَ، وقَالُوا: القُرآنُ مَخلُوقٌ، ولأَجلِها قالت الجَهمِيَّةُ
بفَناءِ الجنَّةِ والنَّارِ، ولأَجلِها قال العَلاَّفُ بفَناءِ حَرَكاتِهِم.
فَقالَ لَهُم النَّاسُ: أمَّا قَولُكُم: إنَّ هذا الطَّريقَ هي الأَصلُ في مَعرِفَة دين الإِسلاَمِ ونُبُوَّةِ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم؛ فهذا ممَّا يُعلَم فَسادُه بالاِضطِرَارِ مِن دين الإِسلاَمِ؛ فإنَّه مِن المَعلُوم لِكُلِّ مَن عَلِم حَالَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وأَصحابِه، وما جاء بِه مِن الإِيمَان والقُرآنُ أنَّه لم يَدعُ النَّاسَ بهَذِه الطَّريقَةِ أبدًا، ولا تَكلَّم بها أَحدٌ من الصَّحابَةِ، ولا التَّابِعِين لهم بإِحسَانٍ، فكَيفَ تَكُون هي أَصلَ الإِيمَان؟ والذي جاء بالإِيمَان وأَفضلُ النَّاسِ إِيمَانا لم يَتَكلَّموا بِهَا أَلْبَتَةَ، ولا سَلَكها مِنهُم أَحدٌ...!