إلى أن قال الشيخ: والَّذِين ابتَدَعوه «أي: هَذَا الأَصلَ»
وزَعَمُوا أنَّهُم به نَصُروا الإِسلاَمِ وَرَدُّوا به على أَعدائِهِ
كالفَلاسِفَة، لا للإِسلاَمِ نَصَروا ولا لِعَدُوِّه كَسَروا، بل كان ما ابتَدَعوه
ممَّا أَفسَدُوا به حَقِيقَةَ الإِسلامِ على مَن اتَّبَعَهُم، فأَفسَدُوا عَقلَه
ودِينَه واعتَدَوا به على مَن نَازَعَهم مِن المُسلِمين، وفَتَحوا لعدُوِّ
الإِسلامِ بابًا إلى مَقصُودِهِ.
فإنَّ حَقِيقَة قَولِهِم: أنَّ الرَّبَّ لَم يَكُن قادِرًا ولا كان الكَلامُ والفِعلُ
مُمكِنًا له، ولم يَزَل كَذلِكَ دَائِمًا مُدَّةً أو تَقدِيرَ مُدَّةٍ لا نِهايَةَ
لها، ثُم إنَّه تَكلَّم وفَعَل مِن غَيرِ سَبَب اقتَضَى ذلك، وجَعَلُوا مَفعُولَه
هو فِعْلَه، وجَعَلوا فِعْلَه وإِرادَةَ فِعْلِه قَديمَةً أزَلِيَّةً والمَفعُول
مُتأَخِّرًا، وجَعَلوا القادِرَ يرجِّحُ أحَدَ مَقدُورَيْهِ على الآخَرِ بلا
مُرَجِّحٍ، وكلُّ هذا خِلافُ المَعقولِ الصَّريحِ، وخِلافُ الكِتابِ والسُّنَّة،
وأَنكَروا صِفَاتِهِ ورُؤيَتَهُ، وقَالُوا: كَلامُه مَخلُوقٌ وهو خِلافُ دِينِ
الإِسلامِ.
ثم لمَّا رَأَت الفَلاسِفَة أنَّ هذا مَبلَغُ عِلْم هَؤُلاءِ
وأنَّ هذا هو الإِسلامُ الذي عَلَيهِ هَؤُلاءِ، وعَلِموا فَسادَ هذا أَظهَروا
قَولَهم بقِدَم العَالَم، واحتَجُّوا بأنَّ تجَدُّدَ الفِعلِ بَعدَ أنْ لَم يَكُن
مُمتَنِعًا، بل لا بُدَّ لِكُلِّ مُتجدِّدٍ مِن سَببٍ حادِثٍ، وليس هُناكَ سَببٌ
فيَكُون الفِعلُ دائمًا، ثم ادَّعَوا دَعوَى كاذِبَةً لَم يُحسِن أُولَئِك أن
يُبَيِّنوا فَسادَها، وهو أنَّه إذا كان دائمًا، لَزِم قِدَمُ الأَفلاكِ
والعَناصِر.
إلى أن قال رحمه الله: والمَقصُود: أنَّ هَؤُلاءِ المُتكَلِّمين الذين زَعَمُوا أنَّهُم ردُّوا عَليهِم لم يَكُن الأَمرُ كما قَالُوُه، بل هُم فَتَحوا لَهُم دِهلِيزَ الزَّندَقَة.