×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

 ولِهَذا يُوجَد كَثيرٌ ممَّن دَخَل في هَؤُلاءِ المَلاحِدَة إنَّما دَخَل مِن باب أُولَئِك المُتكلِّمين كابْنِ عَرَبِيٍّ وابْنِ سَبعِينَ وغَيرِهِما، وإذا قَامَ مَن يَرُدُّ على هَؤُلاءِ المَلاحِدَة فإنَّهُم يَستَنصِرون ويَستَعِينُون بأُولَئِك المُبتَدِعين المُتكلِّمين، ويُعِينهم أُولَئِك على مَن يَنصُر اللهَ ورَسُولَه، فهُم جُندُهم على مُحارَبَة اللهِ ورَسُولِه، كَما قَد وُجِد ذلك عيانًا.

ودَعوَاهُم أنَّ هَذِه طَرِيقَةُ إِبرَاهِيم خَليلِ الله في قَولِه: {لَآ أُحِبُّ ٱلۡأٓفِلِينَ[الأنعام: 76] كَذِب ظَاهِرٌ على إِبراهِيمَ؛ فإنَّ الأُفُول هو التَّغُيُّبُ والاحتِجَاب باتِّفاقِ أَهلِ اللُّغَة والتَّفسِير، وهو مِن الأُمُور الظَّاهِرة في اللُّغَة، وسَواءٌ أُرِيدَ بالأُفُولِ: ذَهَاب ضَوءِ القَمَر والكَواكِب بطُلُوع الشَّمسِ، أو أُرِيدَ به سُقوطُهُ مِن جانِبِ الغَربِ، فإنَّه إذا طَلَعت الشَّمسُ يُقالُ: إنَّها غَابَت الكَواكِبُ واحتَجَبَت، وإن كانَت مَوجُودَةً بالسَّماءِ، ولَكِنْ طَمَس ضَوءُ الشَّمسِ نُورَها، وهذا ممَّا يَنْحَلُّ به الإِشكَالُ الوارِدُ على الآيَةِ في طُلوعِ الشَّمسِ بَعد أُفُولِ القَمَر.

وإِبرَاهِيم عليه السلام لَم يَقُل: {لَآ أُحِبُّ ٱلۡأٓفِلِينَ[الأنعام: 76] لمَّا رأى الكَوكَب يتحرَّكُ والقَمَرَ والشَّمسَ، بل إنَّما قال ذلك حين غَابَ واحتَجَب، فإنْ كان إِبراهِيمُ قَصَد بقَولِه الاحتِجَاج بالأُفُولِ على نَفيِ كَونِ الآفِلِ رَبَّ العَالَمين - كما ادَّعَوه - كانت قِصَّة إِبراهِيمَ حُجَّةً عَلَيهِم، فإنَّه لَم يَجعَل بُزُوغَهُ وحَرَكَتَه في السَّماءِ إلى حِينِ المَغيبِ دليلاً على نَفيِ ذلك، بل إنَّما جَعَل اللَّيلَ مَغِيبَهُ، لَكِنَّ الحَقَّ أنَّ إِبرَاهِيمَ لَم يَقصِد هذا، ولا كان قَولُه: {هَٰذَا رَبِّيۖ[الأنعام: 76].

أنَّه ربُّ العَالَمِين، ولا اعتَقَد أَحدٌ مِن بَنِي آدَمَ أنَّ كوكبًا مِن الكَواكِب خَلَق السَّمواتِ والأَرضَ، وكَذلِكَ الشَّمسُ والقَمَرُ، ولا كان المُشرِكُون


الشرح