ومَن جَعَل قُربَ عِبادِهِ المُقرَّبين ليس إليه إنَّما هو إلى
ثَوابِهِ وإِحسانِه، فهو مُعطِّل مُبطِل؛ وذلك أن ثوابَه وإِحسانَه إليه ويَصِلون
إليه ويُباشِرُهم ويُباشِرُونه، بدُخُولِه فِيهِم ودُخولِهِم فيه بالأَكلِ
واللِّباسِ؛ فإِذَا كَانُوا يَكونُون في نَفْسِ جنَّتِه ونَعيمِه وثَوابِه، كيف
يَجعَل أَعظَمَ الغَايَاتِ قُربَهُم مِن إِحسَانِه؟! ولاسيَّما والمقرَّبون هم
فَوقَ أَصحابِ اليَمينِ الأَبرارِ الَّذين كِتَابُهم في علِّيِّين {وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا عِلِّيُّونَ ١٩كِتَٰبٞ مَّرۡقُومٞ ٢٠يَشۡهَدُهُ ٱلۡمُقَرَّبُونَ
٢١إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ٢٢عَلَى ٱلۡأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ ٢٣تَعۡرِفُ
فِي وُجُوهِهِمۡ نَضۡرَةَ ٱلنَّعِيمِ ٢٤ يُسۡقَوۡنَ مِن رَّحِيقٖ مَّخۡتُومٍ ٢٥خِتَٰمُهُۥ
مِسۡكٞۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلۡيَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَٰفِسُونَ ٢٦ وَمِزَاجُهُۥ مِن تَسۡنِيمٍ
٢٧﴾[المطففين: 19-
27]
قال ابن عباس: «يَشْرَبُ
بِهَا الْمُقَرَّبُونَ صِرْفًا، وَتُمْزَجُ لأَِصْحَابِ الْيَمِينِ مَزْجًا ».
فأخبر أنَّ الأَبرارَ في نَفْس النَّعيمِ، وأنَّهم يُسقَون من
الشَّرابِ الذي وَصَفه الله تعالى، ويَجلِسون عَلى الأَرائِكِ يَنظُرون؛ فكيف
يُقال: إنَّ المُقرَّبين الذين هم أعلى مِن هَؤُلاءِ؟ بحيثُ يَشرَبون صِرْفا
ويُمزَج لهَؤُلاءِ مزجًا، إنَّما تَقريبُهم هو مُجرَّد النَّعيمِ الذي أُولَئِك
فيه؟! هذا ممَّا يُعلَم فَسادُه بأَدنى تأمُّلٍ.
ثم بيَّن الشَّيخ رحمه الله قُرْبَ الرَّبِّ سُبحانَه الذي هو من لَوازِم ذاتِه: مِثلَ العِلم والقُدرَة، وقال: لا رَيبَ أنَّه قريبٌ بِعلْمِه وقُدرتِه وتَدبيرِه من جَميع خَلْقه، لم يَزَل بهم عالمًا ولَم يَزَل عليهم قادرًا، هذا مَذهَب جَميعِ أَهلِ السُّنَّة وعامَّة الطَّوائِف، إلاَّ مَن يُنكِر عِلمَه القَديمَ من القَدَرية والرَّافضة ونَحوِهم، أو يُنكِر قُدرتَه على الشيء قَبْل كَونِه من الرَّافِضة والمُعتَزِلَة وغَيرِهم.