إلى أن قال الشَّيخ رحمه الله: وإذا كان قُربُ عِبادِه منه
نَفْسِه وقُربُه منهم ليس مُمتَنِعًا عند الجماهير من السَّلَف وأَتباعِهِم من
أَهلِ الحَديثِ والفُقَهاء والصُّوفية وأَهلِ الكَلامِ؛ لم يَجِب أن يُتَأَول كلُّ
نصٍّ فيه ذِكْر قُربِه من جِهَة امتِناعِ القُربِ عليه، ولا يَلزَم مِن جواز
القُربِ عَلَيهِ أن يكون كلُّ موضعٍ ذُكِر فيه قُربُه يُراد به قُربُه بِنَفسه، بل
يبقى هذا من الأمور الجائِزَة، ويُنظَر في النَّصِّ الوَارِد فإنْ دلَّ على هذا
حُمِل عليه، وإن دلَّ على هذا حُمِل عليه.
وهذا كما في لَفظِ الإِتيانِ والمَجيءِ، إن كان دلَّ في موضعٍ
قد دلَّ عِندَهم على أنَّه هو يأتي ففي موضعٍ آخَرَ دلَّ على أنَّه يأتي بعَذابِه،
كما في قوله تعالى: {فَأَتَى ٱللَّهُ بُنۡيَٰنَهُم مِّنَ
ٱلۡقَوَاعِدِ﴾[النحل: 26]، وقوله تعالى: {فَأَتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِنۡ حَيۡثُ
لَمۡ يَحۡتَسِبُواْۖ﴾[الحشر: 2]؛ فتدبَّرْ هذا! فإنه كثيرًا ما يَغلَط النَّاس
في هذا المَوضِع؛ إذا تَنازَع النُّفاةُ والمُثبِتة في صفةٍ ودَلالةِ نصٍّ عليها
يُريد المُرِيد أن يَجعَل ذلك اللَّفظَ حيث ورد دالًّا على الصِّفة وظاهِرًا فيها،
ثم يقول النَّافِي: وهناك لم تدُلَّ على الصِّفة فلا تدُلُّ هنا، وقد يقول بعضُ
المُثبِتَة: دلَّتْ هنا على الصِّفة، فتكون دالَّةً هناك.
بل لمَّا رَأَوا بعضَ النُّصوص تدُلُّ على الصِّفة جَعَلوا كلَّ
آيةٍ فيها ما يتوهَّمُون أنَّه يُضافُ إلى الله تعالى إِضافَةَ صِفَةٍ من آياتِ
الصِّفاتِ، كقوله تعالى: {فَرَّطتُ فِي جَنۢبِ ٱللَّهِ﴾[الزمر: 56]، وهذا يَقَع فيه طَوائِفُ من المُثبِتة والنُّفاةِ.
وهذا مِن أكبَرِ الغَلَط؛ فإنَّ الدَّلالةَ في كلِّ مَوضعٍ بحَسَب سِياقِه، وما يَحُفُّ به من القَرائِن اللَّفظِيَّة والحالِيَّة، وهذا مَوجُود في أَمْر المَخلُوقين، يُرادُ بأَلفاظِ الصِّفاتِ منهم في مواضعَ كثيرة غَير الصِّفاتِ.