وأنا أَذكُر لهذا مِثالَيْن نَافِعَيْن:
أحدهما: صفة الوجه:
فإنَّه لمَّا كان إثبات هَذِه الصفة مَذهبَ أهلِ الحَديثِ والمُتكَلِّمَة
الصِّفاتِيَّة من الكُلاَّبِيَّة والأَشعَرِيَّة والكَرَّامِيَّة، وكان نَفيُها
مَذهَبَ الجَهمِيَّة من المُعتَزِلَة وغَيرِهم ومَذهبَ بَعضِ الصِّفاتِيَّة من
الأَشعَرِيَّة وغَيرِهم؛ صار بَعضُ النَّاس من الطَّائِفَتَين كلَّما قرأ آيةً
فيها ذِكْر الوَجهِ جَعَلها مِن مَوارِد النِّزاع، فالمُثبِت يَجعَلُها من
الصِّفات لا تُتَأَوَّل بالصَّرفِ، والنَّافي يرى أنَّه إذا قام الدَّليلُ على
أنَّها لَيسَت صِفَةً فكَذلِكَ غيرُها.
مثال ذلك: قوله تعالى: {وَلِلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ
فَأَيۡنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِۚ﴾[البقرة: 115]؛ أَدخَلَها في آياتِ الصِّفاتِ طَوائِفُ من
المُثبِتَة والنُّفاةِ، حتى عدَّها أُولَئِك كابن خُزَيمَة ممَّا يقرِّر إِثباتَ
الصِّفَة، وجَعل النَّافِيَةُ تفسِيرَها بغَيرِ الصِّفَة حُجَّةً لهم في مَوارِد
النِّزاع.
ولهذا لمَّا اجتَمَعْنا في المَجلِس المَعقُود وكُنتُ قد قُلتُ: أَمهَلْتُ مَن خَالَفَني ثَلاثَ سِنِينَ، إنْ جاء بحَرْفٍ واحِدٍ عن السَّلَف يُخالِف شيئًا ممَّا ذَكَرْتُه، كانت له الحُجَّة وفعلْتُ وفعلْتُ، وجَعَل المُعارِضون يفتِّشُون الكُتُب فظَفِروا بما ذَكَره البيهقيُّ في كتاب «الأسماء والصفات» في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ فَأَيۡنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِۚ﴾[البقرة: 115] فإنَّه ذكر عن مُجاهِد والشَّافعيِّ أن المُرادَ قِبلَة الله، فقال أَحَدُ كُبَرَائهم في المجلس الثاني: قد أحضرْتُ نقلاً عن السَّلَف بالتَّأويلِ! فَوَقَع في قلبي ما أعدَّ، فقلتُ: لعلَّك قد ذَكرْتَ ما رُوِي في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ فَأَيۡنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِۚ﴾[البقرة: 115] قال: نعم، قلت: المراد بها قِبلَة الله، فقال: قد تأوَّلَها مُجاهِد والشَّافعيُّ وهما من السَّلَف، قلت: