×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

 هَذِه الآية ليست من آياتِ الصِّفاتِ أصلاً ولا تَندَرِج في عُمومِ قَولِ مَن يقول: لا تُؤَوَّل آياتُ الصِّفاتِ، قال: أَلَيس فيها ذِكْر الوَجهِ؟ فلمَّا قلتُ: المُرادُ بها قِبلَةُ الله، قال: أَلَيست هَذِه مِن آيات الصِّفاتِ؟ قلتُ: لا ليست مِن مَوارِد النِّزاع؛ فإنَّ الوَجهَ هُو الجِهَة في لُغَة العَرَب، يقال: قَصَدْتُ هذا الوَجهَ، وسَافَرْتُ إلى هذا الوَجهِ، أي: إلى هَذِه الجِهَة، وهذا كثير مشهور؛ فالوَجهُ هو الجِهَة وهو الوِجْهَة، كما في قَولِه تعالى: {وَلِكُلّٖ وِجۡهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَاۖ[البقرة: 148]؛ أي: مُتَوَلِّيها؛ فقوله تعالى: {وِجۡهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَاۖ[البقرة: 148] كقوله: {فَأَيۡنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِۚ[البقرة: 115]، كلتا الآيتين في اللَّفظِ والمعنى مُتقارِبان، وكلاهما في شأنِ القِبلَة، والوَجهُ والجِهَة هو الذي ذُكِر في الآيتَيْن أنَّا نُوَلِّيه: نَستَقْبِلُه.

قلتُ: والسِّياقُ يدُلُّ عليه؛ لأنه قال: {فَأَيۡنَمَا تُوَلُّواْ[البقرة: 115]، و«أين» من الظُّروفِ، وتُوَلُّوا؛ أي: تَستقبِلُوا.

فالمعنى: أيُّ مَوضعٍ استَقبَلْتُموه فهُنالِك وَجْه الله؛ فقد جَعَل وَجهَ الله في المكانِ الذي نَستقبِلُه، هذا بعد قَولِه: {وَلِلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ[البقرة: 115]، وهي الجِهاتُ كُلُّها، كما في الآية الأخرى: {لِّلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ[البقرة: 142]، فأَخبَر أنَّ الجِّهاتِ له؛ فدلَّ على أنَّ الإِضافَةَ تَخصيصٌ وتَشريفٌ، كأنه قال: جِهَة الله وقِبلَة الله.

ولكنْ مِن النَّاس مَن يسلِّم أنَّ المراد بذلك جِهَة الله أي: قِبْلَة الله، ولكن يقول: هَذِه الآية تدُلُّ على الصِّفَة، وعلى أن العَبدَ يَستَقبِل ربَّه كما جاء في الحديث: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلاَةِ، فَإِنَّ اللهَ قِبَلَ وَجْهِهِ» ([1])، وكما في قوله: «لا يَزالُ الله مُقبِلاً على عَبدِه بوَجهِه ما دام


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (406)، ومسلم رقم (547).