هَذِه الآية ليست من آياتِ
الصِّفاتِ أصلاً ولا تَندَرِج في عُمومِ قَولِ مَن يقول: لا تُؤَوَّل آياتُ
الصِّفاتِ، قال: أَلَيس فيها ذِكْر الوَجهِ؟ فلمَّا قلتُ: المُرادُ بها قِبلَةُ
الله، قال: أَلَيست هَذِه مِن آيات الصِّفاتِ؟ قلتُ: لا ليست مِن مَوارِد
النِّزاع؛ فإنَّ الوَجهَ هُو الجِهَة في لُغَة العَرَب، يقال: قَصَدْتُ هذا الوَجهَ،
وسَافَرْتُ إلى هذا الوَجهِ، أي: إلى هَذِه الجِهَة، وهذا كثير مشهور؛ فالوَجهُ هو
الجِهَة وهو الوِجْهَة، كما في قَولِه تعالى: {وَلِكُلّٖ وِجۡهَةٌ هُوَ
مُوَلِّيهَاۖ﴾[البقرة: 148]؛ أي: مُتَوَلِّيها؛ فقوله تعالى: {وِجۡهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَاۖ﴾[البقرة: 148] كقوله: {فَأَيۡنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِۚ﴾[البقرة: 115]،
كلتا الآيتين في اللَّفظِ والمعنى مُتقارِبان، وكلاهما في شأنِ القِبلَة، والوَجهُ
والجِهَة هو الذي ذُكِر في الآيتَيْن أنَّا نُوَلِّيه: نَستَقْبِلُه.
قلتُ: والسِّياقُ يدُلُّ عليه؛ لأنه قال: {فَأَيۡنَمَا تُوَلُّواْ﴾[البقرة: 115]، و«أين» من
الظُّروفِ، وتُوَلُّوا؛ أي: تَستقبِلُوا.
فالمعنى: أيُّ مَوضعٍ استَقبَلْتُموه فهُنالِك وَجْه الله؛ فقد
جَعَل وَجهَ الله في المكانِ الذي نَستقبِلُه، هذا بعد قَولِه: {وَلِلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ﴾[البقرة: 115]،
وهي الجِهاتُ كُلُّها، كما في الآية الأخرى: {لِّلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ
يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ﴾[البقرة: 142]، فأَخبَر أنَّ الجِّهاتِ له؛ فدلَّ على
أنَّ الإِضافَةَ تَخصيصٌ وتَشريفٌ، كأنه قال: جِهَة الله وقِبلَة الله.
ولكنْ مِن النَّاس مَن يسلِّم أنَّ المراد بذلك جِهَة الله أي: قِبْلَة الله، ولكن يقول: هَذِه الآية تدُلُّ على الصِّفَة، وعلى أن العَبدَ يَستَقبِل ربَّه كما جاء في الحديث: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلاَةِ، فَإِنَّ اللهَ قِبَلَ وَجْهِهِ» ([1])، وكما في قوله: «لا يَزالُ الله مُقبِلاً على عَبدِه بوَجهِه ما دام
([1])أخرجه: البخاري رقم (406)، ومسلم رقم (547).
الصفحة 5 / 458