عن غيره إلاَّ واجِبُ الوُجودِ بنَفْسِه، والله تعالى غنيٌّ عن
غَيرِه واجِبُ الوجود بنفسه..، إلى آخر ما ذكر الشيخ عنهم من الاعتِراضَات
والافتِراضَات الفارغة.
ثم قال رحمه الله: فلما ظهر هَؤُلاءِ الجَهمِيَّة أنكر السَّلَف
والأَئمَّة مقالَتَهم وردُّوها وقابَلُوها بما تستحِقُّ من الإنكار الشرعيِّ،
وكانت خفيَّةً إلى أن ظهرت وقَوِيت شَوكَة الجَهمِيَّة في أواخِرِ المائة الأولى
وأوائِلِ الثَّانية في دولة أولاد الرَّشيدِ، فامتَحَنوا النَّاس المِحنَة
المشهورة، التي دَعَوُا الناس فيها إلى القَولِ بخَلْق القرآن، ولَوازِم ذلك مثل
إنكار الرؤية والصفات؛ بِناءً على أنَّ القرآن هو من جُملةِ الأعراض؛ فلو قام بذات
الله لَقامَت به الأعراض فيلزم التشبيهُ والتجسيمُ!
وحَدَث مع الجَهمِيَّة قومٌ شبَّهوا الله تعالى بخَلْقه، فجعلوا
صِفاتِه من جِنسِ صفات المَخلُوقين؛ فأنكر السَّلَف والأَئمَّة على الجَهمِيَّة
المُعَطِّلة وعلى المُشَبِّهة المُمَثِّلة.
وكان أبو الهُذَيل العلاَّفُ ونحوُه من نُفاةِ الصفات قالوا: يقتضي
إثباتُها أن يكون الله جِسمًا، والله منزَّهٌ عن ذلك، قال هَؤُلاءِ «أي الممثلة»:
بل هو جسمٌ، والجسم هو القائم أو المَوجُود أو غير ذلك من المَقالاتِ، وطَعَنوا في
أدلَّة نُفاةِ الجسم.
ثم ذكر الشيخ مقالة ابنِ كُلاَّبٍ وابنِ كَرَّامٍ وأتباعِهِما في الرَّدِّ على أُولَئِك، ثم قال: وأمَّا السَّلَف والأَئمَّة فلم يدخلوا مع طائفةٍ من الطَّوائِف فيما ابتَدَعوه من نَفْيٍ أو إِثباتٍ، بل اعتصموا بالكتاب والسُّنَّة، ورَأَوا ذلك هو المُوافِقَ لصَريحِ العقل، فجعلوا كلَّ لفظٍ جاء به الكتاب والسُّنَّة في أسمائه وصفاته حقًّا يجب الإِيمَان به، وإن لم تُعرَف حَقِيقةُ