×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

 فإذا ظهرت لنا هَذِه المقدِّمة تبيَّن لنا أن قول القائل: كلُّ ما قام الدليل على أنَّه يدل على التَّجسيم كان متشابهًا؛ جوابٌ لا ينقطع به النِّزاع ولا يَحصُل به الانتفاع، ولا يحصُل به الفَرْق بين الصَّحيح والسَّقيم، والزَّائغ والقويم.

وذلك أنَّه ما من نافٍ ينفي شيئًا من الأسماء والصفات، إلاَّ وهو يزعُم أنه قد قام عنده دليل العقل على أنه يدلُّ على التجسيم؛ فيكون متشابهًا؛ فيلزم حينئذٍ أن تكون جميع الأسماء والصفات متشابهاتٍ، وحينئذٍ فيلزم التَّعطيل المحض، وألاَّ يُفهَم من أسماء الله تعالى وصفاته معنًى، ولا يُمَيَّز بين معنى الحي والعليم، والقدير والرحيم، والجبار والسلام، ولا بين معنى الخَلْق والاستواء وبين الإماتة والإحياء، ولا بين المَجيءِ والإِتيان، ولا بين العَفوِ والغُفرانِ.

وبيانُ ذلك: أنَّ مَن نفى الصفاتِ من الجَهمِيَّة والمُعتَزِلَة والقَرامِطَة الباطِنِيَّة، ومن وافَقَهم من الفَلاسِفَة يقولون: إذا قُلتُم: إنَّ القرآن غير مَخلُوق، وإنَّ لله تعالى علمًا وقدرة وإرادةً فقد قلتم بالتَّجسيم؛ فإنه قد قام دليلُ العقلِ على أنَّ هذا يدلُّ على التَّجسيم؛ لأن هَذِه المعاني لا تقوم بنفسها، لا تقوم إلاَّ بغيرها، سواء سُمِّيت صفاتٍ أو أغراضًا أو غيرَ ذلك، قالوا: ونحن لا نعقل قيامَ المعنى إلاَّ بجسمٍ، لإثبات معنًى يقوم بغيرِ جسمٍ غير معقول.

قال المُثبِت: بل هَذِه المعانِي يُمكِن قِيامُها بغَيرِ جِسمٍ كما أمكن عِندَنا وعِندَكم إِثباتُ عالِمٍ قادِرٍ ليس بجِسمٍ، وقالت المُثبِتة: الرضا والغضب والوجه واليد والاستواء والمَجيءُ وغير ذلك، فأَثبَتوا هَذِه الصفات أيضًا، وقالوا: إنها تَقومُ بغَيرِ جسمٍ؛ فإن قالوا: لا يُعقَل رضًا


الشرح