×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

وثُبوت معنى الكمال قد دلَّ عَلَيه القرآن بعباراتٍ متنوعةٍ دالَّةٍ على معانٍ متضمِّنَةٍ لهذا المعنى.

فما في القرآن من إثبات الحمد له وتفصيل مَحامِدِه، وأنَّ له المَثَلَ الأعلى، وإثبات معاني أسمائه ونحو ذلك؛ كلُّه دالٌّ على هذا المعنى، وقد ثبت لفظ الكامل فيما رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير: {قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ١ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ ٢[الإخلاص: 1- 2]، أن الصَّمد هو المُستحِقُّ للكمال، وهو السيِّد الذي كَمُل في عَظَمته، والحَكَم الذي قد كَمُل في حُكْمِه، والغنيُّ الذي قد كَمُل في عِلْمه، والحكيم الذي قد كمل في حِكْمَته، وهو الشريف الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه وتعالى، وهذه صفة لا تنبغي إلاَّ له، ليس له كفْءٌ ولا كَمِثلِه شيء، وهكذا سائر صفات الكمال، ولم يُعلَم أحدٌ من الأمة نازع في هذا المعنى، بل هذا المعنى مستقِرٌّ في فِطَر الناس، بل هم مفطورون على الإقرار بالخالق، فإنَّهم مفطورون على أنه أجلُّ وأكبَرُ وأعلى وأعلَمُ وأعظَمُ وأكمَلُ.

قال الشيخ: «وقد بيَّنَّا في غير هذا الموضِع أنَّ الإقرار بالخالق وكمالِه يكون فطريًّا ضروريًّا في حقِّ مَن سَلِمت فِطْرَتُه»، وإن كان مع ذلك تقوم عَلَيه الأدلَّة الكثيرة، وقد يحتاج إلى الأدلَّة عَلَيه كثير من الناس عند تغيُّر الفِطْرة وأحوالٍ تَعرِض لها.

والمقصود هنا: أنَّ ثُبوت الكمال له ونَفْيُ النَّقائِص عنه ممَّا يُعلَم بالعقل.

وزَعَمت طائفة من أهلِ الكَلامِ كأبي المَعالِي والرَّازِي والآمِدِي وغَيرِهم: أنَّ ذلك لا يُعلَم إلاَّ بالسمع، الذي هو الإجماع، وأنَّ نَفْيَ


الشرح