×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

 وهذا مقالةُ مَن زعم أنَّ كلام الله مَخلُوق، ويتوهَّم أنه لا يجوز أن يقول: خَلَق الله شيئًا واحدًا مرَّتَيْن.

إلى أن قال: وأقول: لم يَزَل الله متكلمًا، ولا يزال مُتكلِّمًا لا مِثْلَ لكَلامِه من كلام خَلْقه ولا نَفَادَ لكَلامِه، لم يَزَل ربُّنا بكَلامِه وعِلْمه وقُدرَته؛ كلَّم ربُّنا أنبياءَهُ وكلَّم موسى.

والله الذي قال له: {إِنَّنِيٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدۡنِي[طه: 14].

ويكلِّم أولياءَه يوم القيامة ويُحَيِّيهم بالسَّلامِ قَولاً في دار عَدْنِه وينادي عِبادَه فيقول: {مَاذَآ أَجَبۡتُمُ ٱلۡمُرۡسَلِينَ[القصص: 65]، ويقول: {لِّمَنِ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡيَوۡمَۖ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ[غافر: 16].

ويكلِّم أهلَ النَّار بالتَّوبِيخِ والعِقَاب ويقول لهم: {قَالَ ٱخۡسَ‍ُٔواْ فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ[المؤمنون: 108].

ويخلو الجبار بكلِّ أحدٍ من خَلْقه فيكلِّمُه ليس بينه وبين أحدٍ منهم تَرْجُمان؛ كما قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ([1]).

ويكلم ربنا جهنم فيقول لها: {هَلِ ٱمۡتَلَأۡتِ[ق: 30].

فمن زعم أن الله لم يتكلَّمْ إلاَّ مرَّةً، ولم يتكلَّم إلاَّ ما تكلَّم به، ثم انقضى كلامُه كَفَر بالله، بل لم يَزَل الله مُتكلِّمًا ولا يزال مُتكلِّمًا، لا مِثْلَ لكلامه لأنَّه صِفة من صِفاته، نفى الله المِثْلَ عن كَلامِه كما نفى المِثْلَ عن نَفْسِه، ونفى النَّفادَ عن كلامه كما نفى الهَلاكَ عن نفسه فقال: {كُلُّ شَيۡءٍ هَالِكٌ[القصص: 88]، {قُل لَّوۡ كَانَ ٱلۡبَحۡرُ مِدَادٗا لِّكَلِمَٰتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلۡبَحۡرُ قَبۡلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَٰتُ رَبِّي[الكهف: 109].

***


الشرح

([1])أخرجه: البُخاريّ رقم (6539)، ومسلم رقم (1016).