×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

وهم لم يَقصِدوا عِبادَةَ الصَّنم إلاَّ لِكَوْنِه إلهًا عِندَهم، وإِلَهِيَّتُه هي في أَنفُسِهم لا في الخارِجِ، فما عَبَدوا في الحَقِيقة إلاَّ ذلك الخيالَ الفاسِدَ الذي عُبِّر عنه؛ ولهذا قال في الآية الأخرى: {وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ قُلۡ سَمُّوهُمۡۚ أَمۡ تُنَبِّ‍ُٔونَهُۥ بِمَا لَا يَعۡلَمُ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَم بِظَٰهِرٖ مِّنَ ٱلۡقَوۡلِۗ بَلۡ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكۡرُهُمۡ وَصُدُّواْ عَنِ ٱلسَّبِيلِۗ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٖ[الرعد: 33]، يقول: سمُّوهم بالأسماء التي يَستَحِقُّونها؛ هل هي خالِقَة رازِقَة مُحْيِيَة مُمِيتَة؟ أم هي مَخلُوقة لا تملك ضرًّا ولا نفعًا؟ فإذا سَمَّوها فوَصَفُوها بما تستحِقُّه من الصِّفات تبيَّن ضَلالُهم، قال تعالى: {أَمۡ تُنَبِّ‍ُٔونَهُۥ بِمَا لَا يَعۡلَمُ فِي ٱلۡأَرۡضِ[الرعد: 33]، وما لا يعلم أنه موجود فهو باطل لا حقيقة له، ولو كان موجودًا لَعَلِمَه موجودًا {أَم بِظَٰهِرٖ مِّنَ ٱلۡقَوۡلِۗ[الرعد: 33]، أي: بقَولٍ ظاهِرٍ باللِّسان لا حقيقةَ له في القلب بل هو كَذِب وبُهْتان.

إلى أن قال رحمه الله: وأمَّا احتِجَاجُهم بقوله: {سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى[الأعلى: 1]، وأنَّ المُرادَ: سبِّح ربَّكَ الأعلى، وكَذلِكَ قوله: {تَبَٰرَكَ ٱسۡمُ رَبِّكَ ذِي ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ[الرحمن: 78]، وما أشبَهَ ذلك؛ فهذا للنَّاس فيه قَولاَنِ مَعرُوفانِ، وكلاهما حجَّة عليهم.

منهم قال: الاسم هنا صلة، والمراد: سبِّح ربَّك وتَبارَك ربُّك، وإذا قيل: هو صلة فهو زائِدٌ لا معنى له؛ فيَبطُل قَولُهم: إنَّ مَدلُول لَفظِ اسمٍ هو المُسمَّى.

ومَن قال: إنَّه ليس بِصِلة بل المُراد تَسبِيح الاسمِ نَفْسِه؛ فهذا مُناقِض لِقَولِهِم مُناقَضَة ظاهِرَة.


الشرح