×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

هو نَفْسُ الرَّبِّ فكان هذا تكريرًا.

وقال بعضُ النَّاس: إنَّ ذِكْر الاسم هنا صِلَة، والمراد: تَبارَك ربك، ليس المراد الإخبار عن اسمِهِ بأنَّه تَبارَك، وهذا غَلَطٌ؛ فإنَّه على هذا يكون قَولُ المصلِّي: تبارك اسمُك ([1])؛ أي: تَبارَكْتَ أنتَ، ونَفْسُ أسماءِ الرَّبِّ لا بَرَكة فيها، ومعلومٌ أن نَفْسَ أسمائه مُبارَكة وبَرَكتُها من جهة دَلالَتِها على المُسمَّى؛ ولهذا فرَّقَت الشَّريعة بين ما يُذكَر اسم الله عَلَيه وما لا يُذكَر اسمُ الله عَلَيه، في مِثلِ قوله: {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ[الأنعام: 118]، وقوله: {وَمَا لَكُمۡ أَلَّا تَأۡكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسۡمُ ٱللَّهِ[الأنعام: 119]، وقوله: {وَٱذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهِۖ[المائدة: 4].

وقول النَّبيّ صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم: «وإن خَالَط كَلْبَك كِلاَبٌ أُخرَى، فَلاَ تَأْكُلْ! فإنَّك إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ» ([2]).

وأما قوله تعالى: {مَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ أَسۡمَآءٗ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم[يوسف: 40]؛ فليس المراد كما ذَكَروه: إنكم تعبدون الأوثانَ المُسمَّاة؛ فإنَّ هذا هم مُعتَرِفون به، والرَّبُّ تَعالَى نَفَى ما كانوا يَعتَقِدونه وأَثبَتَ ضِدَّه؛ ولكنَّ المُرادَ أنَّهم سَمَّوها آلهةً، واعتقدوا ثُبوتَ الإِلَهِيَّة فيها، وليس فيها شيء من الإِلَهِيَّة، فإذا عَبَدوها مُعتَقِدين إِلَهِيَّتَها مُسمِّين لها آلِهَةً لم يكونوا قد عَبَدوا إلاَّ أسماءً ابَتَدَعوها هم، ما أَنزل الله بها من سُلطانٍ؛ لأنَّ الله لم يَأمُرْ بعبادة هَذِه ولا جَعَلها آلهة، كما قال: {وَسۡ‍َٔلۡ مَنۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلۡنَا مِن دُونِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ءَالِهَةٗ يُعۡبَدُونَ[الزخرف: 45]؛ فتكون عِبادَتُهم لِمَا تَصوَّرُوه في أَنفُسِهم مِن معنى الإِلَهِيَّة وعبَّروا عنه بأَلسِنَتِهم، وذلك أمر موجود في أَذهانِهم وعبَّروا عن معانيها بأَلسِنَتِهم.


الشرح

([1])أخرجه: مسلم رقم (399).

([2])أخرجه: البُخاريّ رقم (5475)، ومسلم رقم (1929).