في جُملَةِ ما أَشهَروا من تَصانِيفه وعُلومِه، وجَهِلوا مقصود
أُولَئِك الزَّنادِقة الذين قَصَدوا إِفسادَ هَذِه الأمَّة الإسلامية، كما حَصَل
مقصود بُولُس بإِفسادِ المِلَّة النَّصرانِيَّة بالرَّسائِل التي وَضَعها لهم.
فأجاب الشَّيخُ رحمه الله عن ذلك بقَولِه: مَن قال تِلكَ
الحِكايَةَ المُفتَرَاةَ عن أحمدَ بنِ حنبلٍ، وأنَّه أُودِع عِندَه صُندوقٌ فيها
كُتُب لم يَعرِف ما فيها حتَّى مات، وأَخَذها أصحابُه فاعتَقَدوا ما فيها؛ فهذا
يدل على غايَةِ جَهْلِ هذا المُتكلِّم؛ فإنَّ أحمد لم يأخذ عنه المُسلِمون كَلِمة
واحِدَةً من صِفات الله تعالى قالها هو، بل الأحاديثُ الَّتي يَروِيها أهلُ
العِلمِ في صفات الله تعالى كانت مَوجُودة عند الأمَّة قبل أن يُولَد الإمام أحمد،
وقد رَوَاها أهلُ العلم غَيرُ الإمامِ أحمَدَ فلا يحتاج النَّاس فيها إلى رواية
أحمد، بل هي معروفةٌ ثابِتَة عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ولو لم يُخلَق
أحمَدُ.
وأحمَدُ إنَّما اشتَهَر أنَّه إمامُ أهلِ السُّنَّة،
والصَّابِرُ على المِحْنَة لمَّا ظَهَرت مِحَنُ الجَهمِيَّة الذين يَنفُون صفات
الله تعالى، ويقولون: إنَّ الله لا يُرى في الآخرة، وأنَّ القرآن ليس هو كلام الله
بل هو مَخلُوق من المَخلُوقات، وأنَّه تعالى ليس فوق السموات، وأن مُحمَّدًا لم
يَعرُج إلى الله، وأضلُّوا بَعضَ وُلاةِ الأمر فامتَحَنوا النَّاس بالرَّغبة
والرَّهبة؛ فمن الناس مَن أجابهم رغبةً، ومن الناس مَن أجابهم رهبةً، ومنهم مَن
اختفى فلم يظهَرْ لهم، وصار مَن لم يُجِبْهم قَطَعوا رِزْقَه وعَزَلوه عن
وِلايَتِه، وإن كان أسيرًا لم يَفُكُّوه ولم يَقبَلُوا شَهادَتَه، وربَّما قَتَلوه
أو حَبَسوه، والمِحْنَة مشهورة معروفة كانت في إمارة المأمون والمُعتَصِم
والوَاثِق ثم رَفَعها المُتوكِّل.
فثَبَّت اللهُ الإمامَ أحمَدَ فلم يُوافِقْهم على تَعطيلِ صفات الله تعالى،