×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

وناظَرَهم في العلم فقَطَعَهُم، وعذَّبوه فصَبَرَ على عَذابِهِم، فجَعَله الله من الأَئِمَّة الذين يَهدُون بأَمرِه؛ كما قال تعالى: {وَجَعَلۡنَا مِنۡهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا لَمَّا صَبَرُواْۖ وَكَانُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَا يُوقِنُونَ[السجدة: 24]؛ فمن أُعطِي الصَّبْرَ واليقين جعله الله إمامًا في الدين.

وما تكلَّم به - يعني: الإمام أحمد - من السُّنَّة فإنَّما أُضِيف إليه لِكَونِه أظهَرَه وأَبدَاه، لا لِكَونِه أَنشأَهَ وابتدَأَه، وإلاَّ فالسُّنَّة سُنَّة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فأصدَقُ الكَلامِ كَلامُ الله، وخَيرُ الهَدْي هَدْي مُحمَّدِ بن عبد الله، وما قاله الإِمامُ أحمَدُ هو قَولُ الأَئِمَّة قبله، كمالكٍ والثَّورِيِّ والأَوزَاعِيِّ وحمَّادِ بن زيد، وحمَّادِ بن سَلَمة، وقَولُ التَّابعين قبل هَؤُلاءِ، وقَولُ الصَّحابة الذين أخذوه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وأحاديث السُّنَّة معروفة في «الصحيحين» وغَيرِهما من كتب الإسلام، والنَّقلُ عن أحمَدَ وغَيرِه من أئِمَّة السُّنَّة متواترٌ بإِثباتِ صفات الله تعالى، وهَؤُلاءِ متَّبِعون في ذلك ما تواتر عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

فأمَّا أنَّ المسلمين يُثبِتون عَقِيدَتَهم في أُصولِ الدِّين بقَولِه أو بقَولِ غَيرِه من العُلَماء، فهذا لا يقوله إلاَّ جاهِلٌ، وأحمَدُ بنُ حنبلٍ نَهَى عن تَقلِيدِه وتَقلِيدِ غَيرِه من العُلَماء في الفروع، وقال: «لا تُقَلِّدْ دِينَكَ الرِّجالَ! فإنَّهُم لن يَسلَموا أن يَغلَطوا»، وقال: «لا تقلِّدْني ولا مالكًا ولا الثَّورِيَّ ولا الشَّافعيَّ»، وقد جَرَى في ذلك على سَنَنِ غَيرِه من الأَئِمَّة، فكلُّهم نَهَوا عن تَقلِيدِه كما نَهَى الشَّافِعِيُّ عن تَقلِيدِ غَيرِه من العُلَماء؛ فكيف يُقَلَّدُ أحمَدُ وغَيرُه في أصول الدين؟!


الشرح