وكَذلِكَ قوله: {إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ
ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُۥ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ
جَامِعٖ لَّمۡ يَذۡهَبُواْ حَتَّىٰ يَسۡتَٔۡذِنُوهُۚ إ﴾[النور: 62]؛ دليلٌ على أنَّ الذَّهاب المَذكُور بدون
استِئذانِه لا يجوز، وأنَّه يجب ألاَّ يَذهَبَ حتَّى يستأذِنَ؛ فمَن ذهب ولم
يستأذن كان قد تَرَك بعض ما يجب عَلَيه من الإِيمَان؛ فلهذا نفى عنه الإِيمَان،
فإنَّ حرف «إنما» تدلُّ على إِثباتِ المَذكُور ونَفْيِ غَيرِه.
وكَذلِكَ قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ
وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعۡنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٞ مِّنۡهُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَۚ
وَمَآ أُوْلَٰٓئِكَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٤٧وَإِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ
وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُم مُّعۡرِضُونَ ٤٨ وَإِن
يَكُن لَّهُمُ ٱلۡحَقُّ يَأۡتُوٓاْ إِلَيۡهِ مُذۡعِنِينَ ٤٩ أَفِي قُلُوبِهِم
مَّرَضٌ أَمِ ٱرۡتَابُوٓاْ أَمۡ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَرَسُولُهُۥۚ
بَلۡ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ ٥٠ إ ِنَّمَا كَانَ قَوۡلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ
إِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ أَن يَقُولُواْ سَمِعۡنَا
وَأَطَعۡنَاۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ٥١﴾[النور: 47- 51].
إلى أن قال رحمه الله: والمَقصُود هنا: أنَّ كلَّ ما نفاه الله
ورسوله من مُسمَّى أَسماءِ الأمور الوَاجِبَة كاسم الإِيمَان والإسلام والدِّين،
والصلاة والصيام والطهارة والحجِّ وغير ذلك؛ إنَّما يكون لِتَرْك واجِبٍ من ذلك
المُسمَّى.
ومن هذا قوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا﴾[النساء: 65]؛ فلمَّا نَفَى الإِيمَان حتى تُوجَد هَذِه الغاية؛ دلَّ على أن هَذِه الغايَةَ فَرْضٌ على الناس، فمَن تَرَكها كان من أهل الوعيد ولم يَكُن قد أتى بالإِيمَان الواجب الذي وُعِد أَهلُه بدخول الجنَّة بلا عذاب؛ فإنَّ الله إنَّما وَعَد بذلك مَن فَعَل ما أُمِر به، وأمَّا مَن فَعَل بعض الواجباتِ فإنَّه مُعَرَّض للوَعيدِ.