ومعلومٌ بالاتِّفاقِ أنَّه يجب تَحكِيمُ الرَّسول في كلِّ ما
شَجَر بين الناس في أمر دينهم ودُنياهُم في أصول دينهم وفُروعِه، وعليهم كُلِّهم
إذا حَكَم الشرع بشيءٍ ألاَّ يجدوا في أَنفُسِهم حَرَجًا ممَّا حكم ويُسَلِّموا
تسليمًا، قال تعالى: {أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ
يَزۡعُمُونَ أَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن
قَبۡلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوٓاْ إِلَى ٱلطَّٰغُوتِ وَقَدۡ أُمِرُوٓاْ أَن
يَكۡفُرُواْ بِهِۦۖ وَيُرِيدُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَن يُضِلَّهُمۡ ضَلَٰلَۢا بَعِيدٗا ٦٠ وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ
إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ رَأَيۡتَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ
يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودٗا ٦١﴾[النساء: 60- 61].
وقوله: {إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ﴾[النساء: 61]، قد أنزل الله الكتابَ والحِكْمة، وهي السُّنَّة؛
قال تعالى: {وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَمَآ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ
وَٱلۡحِكۡمَةِ يَعِظُكُم بِهِۦۚ﴾[البقرة: 231].
وقال تعالى: {وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ
وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمۡ تَكُن تَعۡلَمُۚ وَكَانَ فَضۡلُ ٱللَّهِ
عَلَيۡكَ عَظِيمٗا﴾[النساء: 113].
والدُّعاء إلى ما أنزل يَستَلزِم الدُّعاء إلى الرسول،
والدُّعاء إلى الرسول يَستَلزِم إلى ما أنزله الله، وهذا مِثلُ طاعة الله والرسول
فإنَّهُما مُتلازِمان؛ فمَن يُطِع الرَّسول فقد أطاع الله، ومَن أطاع الله فقد
أطاع الرسول،
وكَذلِكَ قوله تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾[النساء: 115]؛ فإنَّهما مُتلازِمان، فكلُّ مَن شاقَّ الرسول من بعدما تبيَّن له الهدى فقد اتبع غَيرَ سَبيلِ المؤمنين، وكلُّ مَن اتبع غَيرَ سبيل المؤمنين فقد شاقَّ الرسول من بعد ما تبيَّن له الهدى؛ فإنْ كان يظنُّ أنه مُتَّبِعٌ سبيلَ المؤمنين وهو مُخطِئٌ، فهو بمَنزِلة مَن ظنَّ أنَّه مُتَّبِع للرَّسول وهو مُخطِئٌ.