×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

وهذه الآية تدلُّ على أنَّ إجماع المُؤمِنين حُجَّةٌ من جِهَة أنَّ مُخالَفَتَهُم مُستَلزِمَة لِمُخالَفَة الرسول، وأنَّ كل ما أجمعوا عَلَيهِ فلا بُدَّ أن يكون فيه نصٌّ عن الرسول، فكلُّ مسألة يُقطَع فيها بالإجماع وبانتِفاءِ المُنازِع من المؤمنين فإنَّها ممَّا بيَّن الله فيه الهدى، ومُخالِف هذا الإجماعِ يَكْفُر كما يَكْفُر مُخالِف النَّصِّ البَيِّن، وأمَّا إذا كان يُظَنُّ الإجماعَ ولا يُقطَع به؛ فهنا قد لا يُقطَع أيضًا بأنَّها ممَّا تبيَّن فيه الهُدى من جِهَة الرسول، ومُخالِفُ مِثلِ هذا الإجماعِ قد لا يَكْفُر، بل يكون ظنُّ الإجماع خطأً، والصَّواب في خِلافِ هذا القَولِ، وهذا هو فَصْلُ الخِطابِ فيما يُكَفَّر به من مُخالَفَة الإجماع وما لا يُكَفَّر.

إلى أن قال رحمه الله: كلُّ ما أَجمعَ عَلَيه المُسلِمون فإنَّه لا يكون إلاَّ حقًّا موافِقًا لِمَا في الكتاب والسُّنَّة، لكنِ المُسلِمون يتلَقَّوْن دِينَهم كلَّه عن الرَّسول، وأمَّا الرَّسول فينزل عَلَيه الوحي، وحيُ القرآن ووحيٌ آخَرُ هو الحكمة، كما قال صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ» ([1]).

وقال حسَّانُ بن عطِيَّةَ: «كان جبريلُ ينزل على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بالسُّنَّة فيعلِّمُه إيَّاها كما يعلِمُّه القرآنَ».

بخلاف ما يقولُه أهلُ الإجماع؛ فإنَّه لا بُدَّ أن يدلَّ عَلَيه الكتاب والسُّنَّة؛ فإنَّ الرَّسول هو الواسطة بينهم وبين الله في أَمرِه ونَهيِه وتَحليلِه وتَحريمِه.

ومن هذا الباب قول النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: «لاَ يُبْغِضُ الأَْنْصَارَ رَجُلٌ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ» ([2]).


الشرح

([1])أخرجه: أبو داود رقم (4604)، وأحمد رقم (17174)، والطبراني في «الكبير» رقم (670).

([2])أخرجه: مسلم رقم (76).