×
أضواء من فتاوى ابن تيمية الجزء الثاني

ٱلظَّٰلِمُونَ ٥٠ إ ِنَّمَا كَانَ قَوۡلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ أَن يَقُولُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ٥١[النور: 47- 51]؛ فهذا حُكْمُ اسم الإِيمَان إذا أُطلِق في كلام الله ورسوله؛ فإنَّه يتناول فِعْلَ الواجبات وتَرْكَ المُحَرَّمات، ومَن نَفَى الله ورسوله عنه الإِيمَان فلا بُدَّ أن يكون قد تَرَك واجبًا أو فعل محرَّمًا، فلا يدخلُ في الاسم الذي يستحِقُّ أهلُه الوَعْد دُون الوعيد، بل يكون من أهلِ الوعيد.

وكَذلِكَ قوله تعالى: {ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡيَانَۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلرَّٰشِدُونَ[الحجرات: 7].

قال مُحمَّد بن نَصْرٍ المَرْوَزِيُّ: «لمَّا كانت المعاصي بعضُها كُفْرٌ وبعضها ليس بكُفْرٍ، فرَّق بينها فجعلها ثلاثة أنواع: نوعٌ منها كُفْرٌ، ونوعٌ منها فُسوقٌ وليس بكُفْرِ، ونوعٌ عصيانٌ ليس بكُفْرٍ ولا فُسوقٍ، وأخبر أنَّه كَرَّهَها كلَّها إلى المؤمنين، ولمَّا كانت الطاعاتُ كُلُّها داخِلَةً في الإِيمَان، وليس فيها شيء خارِجٌ عنه لم يُفَرِّق بينها فيقول: حبَّب إليكم الفرائِضَ وسائِرَ الطاعات، بل أجمل ذلك فقال: {ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ[الحجرات: 7]، فدخل في ذلك جميعُ الطاعات؛ لأنَّه قد حبَّب إلى المؤمنين الصلاة والزكاة وسائِرَ الطاعات حُبَّ تديُّنٍ؛ لأنَّ الله أخبَرَ أنَّه حبَّب إليهم ذلك وزيَّنه في قُلُوبهم، لقوله: {ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ[الحجرات: 7]، ويَكرَهون جميعَ المعاصي؛ الكُفْرَ منها والفُسوقَ وسائِرَ المعاصي كَراهَةَ تديُّنٍ؛ لأنَّ الله أخبَرَ أنَّه كرَّه ذلك إليهم، ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ» ([1])؛ لأنَّ الله حبَّب إلى المؤمنين الحسناتِ وكرَّه إليهم السيئاتِ.


الشرح

([1])أخرجه: الترمذي رقم (2165)، وأحمد رقم (114)، والحاكم رقم (35).