مِثْلُ القُرآنِ أو أَكْثَرُ، ألا وَإِنِّي
حَرَّمْتُ كُلَّ ذِي نَابٍ مِن السِّبَاعِ» ([1])؛ فبيَّن أنَّه أُنزِل عَلَيه وحيٌ آخَرُ، وهو الحِكمَة
غَيرُ الكِتابِ، وأنَّ الله حرَّم عَلَيه في هذا الوَحيِ ما أخبَرَ بتَحريمِه، ولم
يَكُن ذلك نسخًا للكِتابِ؛ فإنَّ الكِتابَ لم يُحِلَّ هذا قَطُّ، إنَّما أحلَّ
الطَّيِّبات، وهذه لَيسَت من الطَّيِّبات، وقال: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ
كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ﴾[البقرة: 172]؛
فلم تَدخُل هَذِه الآية في العُمومِ، لَكِنَّه لم يَكُن حرَّمها، فكانت مَعفُوًّا
عن تَحريمِها لا مَأذونًا في أَكلِها.
وأمَّا الكفَّار فلم يَأذَنِ الله لَهُم في أَكْلِ شيءٍ ولا
أَحَلَّ لَهُم شيئًا ولا عفَا لهم عن شيءٍ يَأكُلُونه، بل قال: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ حَلَٰلٗا طَيِّبٗا﴾[البقرة: 168]، فشَرَط فيما يَأكُلونه أن يكون حلالاً وهو
المَأذُون فيه من جِهَة الله ورسوله، والله لم يَأذَن في الأَكلِ إلاَّ للمُؤمنِ
به، فلم يَأذَن لهم في أِكلِ شيءٍ إلاَّ إذا آمنوا.
ولهذا لم تَكُن أَموالُهم مَملُوكةً لهم مِلْكًا شرعيًّا؛ لأنَّ المِلكَ الشَّرعِيَّ هو القُدرة على التَّصرُّف الذي أباحه الشَّارِع وهو الله عز وجل على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، والشَّارع لم يُبِح لهم تصرُّفًا في الأَموالِ إلاَّ بشَرْطِ الإِيمَان فكانت أَموالُهم على الإِباحَةِ؛ فإذا قَهَر طائِفَةٌ منهم طائِفَةً قهرًا يستحِلُّونه في دِينِهم، وأَخَذوها منهم صار هَؤُلاءِ فيما كان أُولَئِك، والمُسلِمون إذا استولوا عليها فغَنِموها مَلَكوهًا شرعًا؛ لأنَّ الله أباح لهم الغنائِمَ ولم يُبِحْها لغَيرِهم، ويَجُوز لهم أن يُعامِلوا الكفارَ فيما أَخَذه بَعضُهم من بعضٍ بالقَهرِ الذي يستحِلُّونه في دينهم، ويَجُوز أن يشتَرِيَ من بَعضِهم ما سَبَاه من غَيرِه؛ لأنَّ هذا بمَنزِلة استِيلاَئِه على المُباحاتِ.
([1])أخرجه: أبو داود رقم (3050)، وابن أبي عاصم رقم (1336)، والطبراني في «الكبير» رقم (645).
الصفحة 4 / 458