وفي حديث أبي ثَعْلَبَة عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ فَرَضَ لَكُمْ فَرَائِضَ فَلاَ
تُضَيِّعُوهَا، وحَدَّ حُدُودًا فَلاَ تَعْتَدُوهَا، وَحَرَّمَ حُرُمَاتٍ فَلاَ
تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلاَ تَسْأَلُوا
عَنْهَا» ([1]).
وكَذلِكَ قوله تعالى: {قُل لَّآ أَجِدُ فِي مَآ أُوحِيَ
إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٖ يَطۡعَمُهُۥٓ إِلَّآ أَن يَكُونَ مَيۡتَةً﴾[الأنعام: 145]، نفى التَّحرِيمَ عن غَيرِ المَذكُور؛ فيكون
مسكوتًا عن تَحريمِه عَفْوًا، والتَّحليلُ إنَّما يكون بخطابٍ؛ ولهذا قال في سُورة
المائدة التي أُنزِلت بعد هذا: {يَسَۡٔلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ
لَهُمۡۖ قُلۡ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُ وَمَا عَلَّمۡتُم مِّنَ ٱلۡجَوَارِحِ
مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُۖ﴾[المائدة: 4] إلى قوله: {ٱلۡيَوۡمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُۖ
وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حِلّٞ لَّكُمۡ وَطَعَامُكُمۡ حِلّٞ لَّهُمۡۖ﴾[المائدة: 5]؛ ففي ذلك اليَومِ أحلَّ لَهُم الطَّيِّبات، وقَبل
هذا لم يَكُن مُحَرَّمًا عليهم إلاَّ ما استَثْناه.
وقد حرَّم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم كلَّ ذِي نَابٍ من
السِّباع وكلَّ ذي مِخْلَبٍ من الطَّيرِ ولم يَكُن هذا نسخًا للكتاب؛ لأن الكِتابَ
لم يُحِلَّ ذلك، ولكنْ سَكَت عن تَحريمِه، فكان تَحريمُه ابتِداءُ شَرْعٍ
ولهذا قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في الحَديثِ المَروِيِّ من طُرُق من حديث أبي رافِعٍ وأبي ثَعْلَبَةَ وأبي هريرة وغَيرِهم: «لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الأَْمْرُ مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ، فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ، مَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ! ألا وَإِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهَ مَعَهُ» ([2])، وفي لفظ: «أَلاَ وإنَّهُ
([1])أخرجه: الدارقطني رقم (4396)، والحاكم رقم (7114)، والطبراني في «الكبير» رقم (589).